«التنمية الصناعية» بين زيادة رأس المال ونقص القوى البشرية

في خطوة جيدة رفعت وزارة المالية رأس مال صندوق التنمية الصناعية من 20 إلى 40 مليار ريال، أتت هذه الزيادة في الوقت المناسب، خاصة في ظل تنامي القطاع الصناعي الذي نما بنسبة 15 في المائة في العام الماضي، وبالتالي وضوح الحاجة إلى دعم تمويلي، وكذلك في ظل نقص رغبة المصارف في تمويل المشاريع الصناعية، وخاصة الصغيرة (على الرغم من دور الصندوق في كفالة) يقابل هذا الدعم المالي تآكل في القدرات البشرية للصندوق على مدى سنوات عدة. ولذلك لا بد من تغييرات مهمة تتماشى مع هذا الحجم في رأس المال والحاجة للقدرات البشرية ائتمانياً وبحثياً. لم يعد الصندوق كما كان، ولذلك لعل هذه الزيادة المعتبرة فرصة جديدة لإعادة التفكير في تجربة الصندوق.
عندما تأسّس الصندوق كان مؤسسة رائدة لمشوار التنمية، ليس لدعم الصناعة فقط من ناحية تمويلية، ولكن في تنمية المهارات والقدرات البشرية التي تمت في رعاية تعاون مثمر مع بنك شيس منهاتن من خلال دورة الائتمان الرئيسة لمدة سنة واستقطاب مسؤولي ائتمان من البنك للعمل في الصندوق ولسنوات عدة. هذا النموذج خدم المملكة والصندوق لنحو عقد ونصف، تلت ذلك ''سعودة'' قبل حينها انتهت من برامج ائتمانية جادة إلى دورات قصيرة (مع جامعة كندية وشركة خاصة في نيويورك) واستبعاد تدريجي للعناصر الأجنبية القادرة وتقليل دور الجوانب الفنية المهمة مثل الأبحاث الصناعية والتسويقية. أفضل دليل على هذا التنازل الفني والمعرفي هو أن كثيراً من القيادات التكنوقراطية في المملكة أتت من الصندوق في العقد الأول ونصفه، ولكننا لا نسمع عن هذه الظاهرة في السنوات الـ 20 الماضية. تدريجياً أصبح الصندوق مرتعاً لمَن لا يرغب أو يجد مكاناً في القطاع الخاص دون آلية واضحة للفرز في الطاقات البشرية. بعد هذه الزيادة لا بد من إعادة النظر، فالقدرات البشرية أهم من المال في المديين المتوسط والبعيد إلا إذا كان الرهان على المدى القصير والمستقبل تعايشه الأجيال اللاحقة.
ما الحل؟
بعد مقارنة الفترتين لا بد أن مسؤولية الصندوق تتعدّى الدعم التمويلي في اقتصاد نامٍ تعوزه القدرات البشرية والدراسات الموثقة التي تستطيع الإضافة الجوهرية للاقتصاد الوطني. لعل أهم عناصر الحل هو الابتعاد عن المكابرة في الرهان على سعودة الصندوق وإدارته في التمويل والدراسات الصناعية قبل نضج التجربة السعودية. في نظري المطلوب هو التأكد من كفاءة مسؤولي الائتمان من خلال دورة متقدمة وطويلة بالتعاون مع مؤسسة ائتمان معتبرة في القطاع الخاص وليست ''مخصّصة'' لموظفي الصندوق؛ ثانياً توظيف خبراء تمويل ودورات صناعية وتسويقية ذات مستوى يستفيد منه كل مَن له علاقة بالقطاع الصناعي في المملكة، فالاقتصاد الجزئي قد يكون أهم أحياناً من الاقتصاد الكلي، ثالثاً لا أعرف لماذا نصرُّ على أن يكون رئيس مجلس الإدارة نائب محافظ مؤسسة النقد على الرغم من أهمية هذا القطاع وكبر حجم الصندوق وانشغال نائب المحافظ. بعد هذه الزيادة المؤثرة الأحرى أن يكون رئيس مجلس إدارة الصندوق متفرغاً، ولعل استعداد المالية في استبدال رئيس مجلس إدارة الاتصالات مثال جيد. أقترح أن يخصص 10 في المائة من الزيادة في رأس المال كميزانية تدريب وأبحاث جادة على مدى عشر سنوات لحين الوصول بالصناعة إلى مدار جديد.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي