Author

إذا كنت لا تدري.. يا معالي وزير الإسكان

|
معرض الرياض للعقارات لهذا العام حقق نقلة نوعية كبرى، وهو ما يشير من ناحية إلى تنامي مستوى الاحترافية لدى الشركة المنظمة، ومن ناحية أخرى إلى نهضة كبرى لقطاع العقارات تلوح في الأفق، ويؤمل منها أن تعكس أيضا تناميا في احترافية الشركات العقارية كي تتمكن من الإسهام الفاعل في معالجة أزمة الإسكان التي كانت المحور الرئيس للملتقى المصاحب للمعرض، الذي سيطرت عليه وزارة الإسكان سيطرة تامة، فكانت جميع جلساته مخصصة لمنسوبي الوزارة لعرض خططهم ومشاريعهم وتوجهاتهم في التعاطي مع هذه القضية الحيوية. وفي الحقيقة، فإن ما طرحته الوزارة في هذا الملتقى يبرز تحولا في رؤية الوزارة حول دور القطاع الخاص من ناحية، وطبيعة التوجهات الاستراتيجية لمعالجة هذه الأزمة من ناحية أخرى. إلا أنه لم يبرز جديدا في مسألة تعاطي الوزارة مع مشروع بناء الخمسمائة ألف وحدة التي أمر بها خادم الحرمين الشريفين، إذ ما زالت الوزارة مصرة على القيام بدور المطور في هذا المشروع، وما زالت تديره بالمنهجية العقيمة ذاتها التي تتبع نظام المشتريات الحكومية، وهو ما لا يمكن أن يحقق النجاح المأمول لهذا المشروع، خاصة بعد أن عرضت الوزارة واقع مشروعاتها القائمة، الذي يعاني كثيرا من المشاكل والعثرات في طبيعة المنتج الذي قدمته الوزارة. لا أريد هنا أن أكرر الحديث عن مشاكل هذا المنهج، إذ إن هذا الحديث أصبح ممجوجا ومكررا للإخوة القراء، ولا بد أن يكون قد بلغ مسامع المسؤولين في الوزارة، حتى إنني قدمت على مسامع مستشار الوزير الذي حضر الملتقى تلخيصا لطبيعة المشكلات الفنية التي تعانيها هذه المشروعات. السؤال الذي طرحته في الملتقى جاء على النحو التالي: إذا كانت الوزارة قد أقدمت على تنفيذ المجموعة الأولى من مشروعاتها وفق هذا المنهج تحت ضغط إلحاح القيادة والرأي العام، فما الأمر المختلف الذي ستقدمه شركة بارسونز التي تعاقدت معها الوزارة للقيام بالأعمال الاستشارية للمشروع؟ وما دورها في تصحيح هذا المنهج والارتقاء بنوعية المنتجات السكنية التي ستقوم الوزارة بتنفيذها؟ وما الإطار التعاقدي المحدد في علاقة الوزارة مع هذه الشركة؟ غرض السؤال كان الإجابة عن الملاحظات السابقة التي طرحتها في مقال سابق عن نظامية هذا التعاقد، ومحاولة البحث عن مبرر فني للتجاوز الذي وقعت فيه الوزارة بالتعاقد مع كيان أجنبي للقيام بمهام استشارية مخالفة لحدود الترخيص الذي تحمله الشركة في المملكة. مسؤول الوزارة الذي أجاب عن السؤال قال إن الشركة مسؤولة عن تقديم خدمات الدراسات والتصميم والإشراف على التنفيذ لمشروعات الوزارة الكبرى، وهو إجراء يعكس حرص الوزارة على توظيف خبرات فنية متقدمة لخدمة هذه المشاريع والارتقاء بمستويات تطويرها وتنفيذها. أنا في الحقيقة لم أقتنع بهذا الجواب، إذ إنني ما زلت مؤمنا بأن هذه المشروعات لا تتطلب خبرات فنية، خاصة بخلاف تلك التي يتمتع بها كثير من الكيانات الاستشارية الوطنية. وبالتالي، فإن قيام الوزارة بمثل هذا التعاقد المخالف للأنظمة لا يبرره هذا المطلب على الرغم من أهميته. والأهم من ذلك أن استئثار هذه الشركة بعقد واحد ضخم للقيام بهذه المهمة إنما هو مخاطرة كبرى تقوم بها الوزارة، إذ كان الأجدر بها أن تقوم بتوزيع المسؤوليات على عدد أكبر من الشركات الاستشارية، حتى تنحصر مسؤولية كل منها في مشروع واحد محدد عوضا عن شيوع المسؤولية وتشتتها بين عدد كبير من المشروعات والمواقع. مسؤول الوزارة قال أيضا إن هذا التعاقد تم وفق نظام المشتريات الحكومية، وإن اختيار هذه الشركة تم من بين عشر شركات استشارية عالمية تتمتع كلها بخبرات متقدمة في مجال الخدمات الاستشارية وتنمية المشروعات. وأنا هنا أوجه سؤالي لمعالي وزير الإسكان فأقول له: ألا تعلم يا معالي الوزير أن هذه الشركة لا تحمل ترخيصا نظاميا يخولها العمل في مجال الخدمات الاستشارية الهندسية في المملكة، إنما هي تحمل ترخيصا للمقاولات المتخصصة في التصميم والتنفيذ، وهو ترخيص يحصر نشاطها في مجال مشروعات الطاقة والنفط والبتروكيماويات؟ ثم ألا تعلم يا معالي الوزير أن نظام المشتريات الحكومية الذي يقول مسؤول وزارتك إن الوزارة تبنت قواعده في هذا التعاقد يفرض أن تكون الشركات المتقدمة لمثل هذه المنافسات حاصلة على تراخيص مهنية من الجهات المختصة في المملكة، وهي في هذه الحالة الهيئة السعودية للمهندسين، وهو ما لم يتحقق في حالة هذه الشركة؟ ألا تعلم يا معالي الوزير أن عدم حصول هذه الشركة على مثل هذا الترخيص يحمل مخاطر جمة على الاقتصاد الوطني وفرص نجاح مشروعات الوزارة، كون هذه الشركة لا تحمل أي مسؤولية مهنية عن الأخطاء المحتملة في إنجاز مهامها في ظل عدم حصولها على هذا الترخيص؟ ربما يكون الجواب عن كل هذه الأسئلة هو النفي، وربما لا يكون معالي الوزير عالما بكل هذه البديهيات، لكنني أقول له حينها: إذا كنت لا تدري فتلك مصيبة، وإن كنت تدري فالمصيبة أعظم. الأمر الإيجابي الذي خرجت به من معرض وملتقى العقارات لهذا العام هو أن الوزارة أبرزت اهتماما مختلفا هذه المرة بالاستماع إلى وجهات نظر الحضور والتفاعل معها بإيجابية. كل ما أرجوه ألا يكون هذا الأمر مشهدا تمثيليا محضا لا يعدو أن يكون وسيلة من وسائل العلاقات العامة والتلميع الإعلامي، وأن يكون بحق منهجا جديدا تتبناه الوزارة في التعاطي مع قضية تعد إحدى أهم قضايا التنمية الوطنية. أولى الخطوات التي أرجو أن تقوم الوزارة بها هو تصحيح الخطأ الذي وقعت فيه بهذا التعاقد الذي يصفه البعض بالمشبوه، وأن تعمد إلى إشراك الكيانات الاستشارية الوطنية في مشروعاتها، هذا إذا استسلمنا لحتمية قرار الوزارة بالاستمرار في منهج البناء الذاتي لهذه المشروعات. فالخطأ الذي وقعت فيه الوزارة بهذا التعاقد لا ينحصر فقط في كونه مخالفا للأنظمة الرسمية، بل إنه كذلك حرم الكيانات الاستشارية الوطنية من فرصة قد لا تتكرر مرة أخرى للمشاركة في مشروع وطني جبار أهداه ملك البلاد الصالح لأبناء الوطن، لا ليقطف ثمراته وملياراته كيانات أجنبية دخيلة لا تحترم هذا البلد ولا أنظمته وتشريعاته.
إنشرها