المسافة بين السوق العقارية.. والفقاعة الحمراء!

منذ أن بدأ الزملاء يكتبون عن الفقاعة المحتمل انفجارها في السوق العقارية السعودية، وأنا أستبعد هذا الجانب النظري من الفقاعات على الأقل في الأمد المنظور.
نحن لا نشكك في نظرية الدورات الاقتصادية، ونقبل كل الحيثيات التي يطرحها الزملاء، ولكن من الناحية العملية فإن نظرية الفقاعة في سوق العقار السعودية نستبعدها على الأقل لخمس سنوات مقبلة.
ومن خلال متابعتي لسوق العقار السعودية طوال الـ40 عاما الماضية، فإن موجات الزيادة في أسعار العقار ما زالت تتواصل، والإشاعات ما زالت تتواصل، وما يقال عن الفقاعات ما زال كلاماً نظرياً، لأن الأسباب التي تجعل السوق تعيش في حالات نشطة ما زالت موجودة.
طبعا كلنا نقدر الطرح النظري الذي جادت به قرائح الزملاء الأعزاء، ولكن سوق العقار السعودية لها ملابسات تختلف نسبيا عن خصائص أسواق العقار في كثير من الأسواق الأخرى.
ولذلك لا نستطيع أن نسقط الظروف التي تمر بها أسواق خارجية على السوق السعودية العفية والقوية، لأن سوق العقار السعودية تعانى من أزمة ارتفاع الطلب على الوحدات العقارية مع انخفاض حاد في العرض، ولذلك فهي سوق متعطشة في الوقت الراهن إلى أسراب من المباني السكنية وغير السكنية.
ولا ننكر البتة أن ظاهرة الاحتكار والمضاربة تلعبان دورا كبيرا في تنميط سوق العقار السعودية وجعلها سوقاً تتميز بمكوناتها وملابساتها وظروفها، ونذكر على سبيل المثال أن سوق العقار السعودية، في هذه الأيام، تأتي وسط مشاريع تنموية تلعب فيها الأرض والمباني دوراً أساسياً، مثل مشروع قطار الحرمين الذي اكتسح المخططات والمناطق الشاسعة في المدن والقرى والهجر، ومشاريع الإسكان بكل تفرعاتها، ومشاريع بناء المدارس والجامعات والمستشفيات، ومشاريع إزالة العشوائيات، ومشاريع شق الطرق، ثم مشاريع القطاع الخاص الواسعة الأرجاء والاتجاهات.
إن السوق العقارية هي جزء لا يتجزأ من النشاط الاقتصادي العام، ولا يمكن أن نرهن هذه السوق إلى فقاقيع بعيداً عن معطيات وظروف النشاط الاقتصادي العام، وإذا كنا نرهن سوق العقار إلى نشاط الاقتصاد الوطني، فإن الدورة التي يقف عندها الاقتصاد السعودي حالياً تستبعد أي فقاعة، بل بالعكس سوق العقار تستعد لموجات جديدة من الزيادة في ارتفاع الأسعار.
إن الانتعاش النسبي الذي حدث لسوق الأسهم في اليومين الماضيين وسحب، لأيام قلائل، بعض زبائن سوق العقار أعاد مرة أخرى المشترين إلى سوقهم الأثيرة ولم تنخفض أسعار العقار، بل جرى تصحيحها لفترة وجيزة جدا ثم عادت الكرة مرة أخرى إلى سوق العقار.
ونحن إذا أردنا الاستكشاف الحقيقي على مؤشر أسعار العقار، فإننا نجد أن سوق العقار انخفضت نسبياً مع بداية العام، ثم عادت إلى الثبات، وهي الآن تستعد لجولة جديدة من الزيادة مع مطلع عام 2013، والسبب أن العائد الاقتصادي من العقار ما زال مرتفعاً وآمناً قياساً بسوق الأسهم السوق التي ما زالت تعاني الضعف والهزال وعدم الاستقرار مقارنة بسوق عقارية عفية وقوية.
أكثر من ذلك فنحن نرى أن الدورات الاقتصادية في سوق العقار أكثر بكثير مما نراها في سوق الأسهم التي تضيع فيها الدورات الاقتصادية، بدليل أن سوق الأسهم حينما هوت في عام 2006 ظلت تتلعثم عند الهاوية لسنوات طويلة.
إن مسطح سوق العقار لا يقبل التعميم في المطلق، لأنه مختلف الأطوار، فهناك أراض أو عقارات الطلب عليها غير مرن، أي الطلب عليها لا يتأثر كثيراً بالعرض، ونذكر، على سبيل المثال، أن الأراضي الواقعة على طول الكورنيش في جدة أو الخبر أو الدمام أو الأراضي الواقعة في أوساط المدن التجارية، أو الأراضي والعقارات المطلة أو القريبة من الحرمين الشريفين.. لن تهبط أسعارها في فترات الانكماش الاقتصادي، بل تظل أسعارها عند مستوياتها حتى تنقشع الأزمة فتعاود ارتفاعاتها، وهذا الحيز من العقارات ليس شريحة بسيطة في جملة شرائح العقارات المتوافرة في سوق العقار.
وسط هذا الحشد من النشاط الحكومي الهائل في سوق العقار لا مجال للحديث عن انهيار وشيك لسوق العقار، وإنما الحديث الصحيح هو عن انتعاش في سوق العقار وكل الأسواق الأخرى.
ولا بد أن ندرك أن سوق العقار هي سوق مهمة ومؤثرة في الاقتصاد الوطني، بل هي عنوان التنمية، وأن أي انهيار في سوق العقار هو شرخ عميق في كل برامج ومشاريع الاقتصاد الوطني، وهذا ما لم نره فيما نرى ونلمس ونشاهد.
وفي ضوء هذه المشاريع الحكومية المتعلقة بالعقار، فإن مشاريع الدولة وحدها كافية للحفاظ على نشاط مستقر في سوق العقار لسنوات طويلة مقبلة.
أمّا بالنسبة لدور الأفراد والقطاع الخاص في الطلب على العقار والحفاظ على مستوى من انتعاش السوق، فإنه دور كبير ولم يعد دور القطاع الخاص في كل أسواق الاقتصاد الوطني دورا هلاميا وبسيطا، بل إن مشاريع التطوير العقاري وبناء الأسواق وبناء المنازل والمنتجعات والمصانع والأبراج لم يعد خافياً على أي إنسان يجوب أنحاء المملكة.
إن الفقاقيع والدمامل التي يتنادى بها بعض زبانية سوق الأسهم يجب أن تختفي من قاموس سوق العقار، ولا سيما أن فترة الـ40 عاما الماضية كانت مليئة بالإشاعات، ولكن مع ذلك ظلت الأسعار تتعالى حتى أصبحت أسعار العقار كالحكايات الفلكلورية من سعر نصف ريال للمتر الواحد إلى سعر أربعة آلاف ريال للمتر الواحد، ومع ذلك فلم نلحظ دمامل وفقاقيع طوال 40 عاما غاربة!

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي