الاقتصاد العالمي لن يتحمل طفرة كبيرة في أسعار النفط

الاقتصاد العالمي لن يتحمل طفرة كبيرة في أسعار النفط

أصبح نقص الإمدادات وارتفاع أسعار النفط مصدر قلق مسيطر على الحكومات، حيث إنه ما زال هناك تأكيد قوي على أن العالم يعتمد على النفط.
ويكلف جالون البنزين ثلاثة دولارات و 999 سنت، في محطة بي بي في برودواي، والسعر نفسه أيضا في محطة الشارع الخامس عشر في بلويفيل، في كنتاكي، في الولايات المتحدة. إن ذلك جيد، ويمكن أن تكون تمت ممارسته في التسعير النفسي إذا كان مألوفا، ولكن لا أحد يقتنع بذلك. وعلق كيلي مارتن قائلا، ''إنه لأمر مخز''، وذلك بسبب إنفاقه 100 دولار ليملأ خزان حافلته الصغيرة المتهالكة بالوقود.
كل شخص لديه قصته عن الكيفية التي يقلل بها إنفاقه في أشياء أخرى لدفع ثمن ملء سيارته بالوقود للذهاب إلى العمل. ويعلق السيد مارتن عن ذلك قائلا، ''أنا ألوم الحكومة بسبب إبقاء الضرائب على البنزين''. ولكن يوجد أيضا دعم لباراك أوباما. وعلق تشارلز سميث على ذلك قائلا، ''ستعرف أنه هناك سبب لإلقاء اللوم على الرئيس وذلك بمجرة إلقاء نظرة على الوضع العالمي''.
والضخ هو الرأس المحركة في سوق النفط، وهذا ما يسبب الضررلكثير من البلدان المستهلكة للنفط. سرعان ما أصبح سعر النفط هو مصدر القلق المسيطر على الحكومات ورجال الأعمال؛ حيث ارتفع سعر برميل خام برنت القياسي إلى 125 دولارا للبرميل، وذلك بزيادة 15 في المائة هذا العام وعلى مقربة من أعلى مستوى وصل إليه منذ عام 2008.
إن العالم لايزال يعتمد على النفط، تماما مثلما حدث في السبعينات، حين انخفضت الإمدادات وارتفعت الأسعار؛ مما تسبب في حدوث اضطرابات في الاقتصادات الغربية. وتضرر الدخل في البلدان المستوردة للنفط، وهددت الأسعار المرتفعة على الاقتصاد العالمي الضعيف بالفعل. ومن الممكن أيضا لهذه الأسعار أن تغير نتيجة الانتخابات الأمريكية. ويعلق مادهر جها، الاقتصادي في بنك إتش إس بي سي في لندن قائلا، ''النفط ليس هو المخيف حقا في هذه المستويات''. وأضاف ''ما قد يكون مدعاة للخوف هو إما أن يكون هناك طفرة كبيرة في الأسعار، أو أن تستمر في الارتفاع. ولا أعتقد أن الاقتصاد العالمي جيد بما فيه الكفاية ليتعامل مع ذلك''.
ويقول فاتيح بيرول، في وكالة الطاقة الدولية التي تدعمها الحكومة، أسعار النفط قد ''تعود بالاقتصاد العالمي إلى الركود''.
ونشرت الصحيفة أن السبب في ارتفاع الأسعار، هو محاولة الولايات المتحدة ممارسة الضغط على طهران بسبب برنامجها النووي، وذلك عن طريق إجبار الدول الأخرى لتحد من واردات النفط الإيرانية. وفي شهر تشرين الثاني (نوفمبر) كانت إيران تصدر نحو 2.6 مليون برميل يوميا، وهو تقريبا 3 في المائة من الاستهلاك العالمي. ومن المتوقع أن العقوبات ستؤدي إلى تخفيض صادراتها بنسبة تصل إلى مليون برميل في اليوم.
والمشكلة الأساسية التي كشفتها هذه الاستراتيجية هي أن صناعة النفط كانت بالفعل تعاني من أجل تلبية الطلبات، وهناك بعض التباطؤ في النظام.
كما أن الدول المنتجة والمستهلكة للنفط على حد سواء تحاول تقليل الضرر الناتج عن ارتفاع الأسعار. والمملكة العربية السعودية، الدولة المصدرة الرائدة والممتلكة لأكبر كم من القدرات، يمكنها أن تضيف دعما إضافيا للسوق. وقد كانت تحاول أن تقلل الضرر بسبب أسعار النفط.
وقد أصدر مجلس الوزراء السعودي برئاسة الملك عبد الله، بيانا أشار فيه إلى خطر ارتفاع أسعار النفط على نمو الاقتصاد العالمي، و قال إن المملكة ستعمل بشكل فردي ومع الآخرين إذا كان ذلك ضروريا ''لإعادة أسعار النفط إلى مستويات عادلة''. وفي محاولة لتعزيز الرسالة في اليوم التالي، قام علي النعيمي، وزير البترول والثروة المعدنية السعودي بالتأكيد على أن عملاءها لايريدون أو لايحتاجون إلى المزيد من النفط الآن.
وقالت المملكة إن لديها القدرة على زيادة الإنتاج بنسبة 2.5 مليون برميل في اليوم، إذا احتاج السوق إلى ذلك. ويقول إيد مورس، رئيس قسم أبحاث السلع في شركة سيتي جروب، ''السوق يسعى إلى الشفافية''.
وطبقا لوكالة الطاقة الدولية، فإن المملكة وصلت إلى قمة الضخ في خلال ثلاثة عقود، وذلك بضخ عشرة ملايين برميل في اليوم، وقد ارتفعت صادراتها بنسبة 150300000 برميل في اليوم الشهر الماضي.
وقد عملت شركة أرامكو السعودية، وهي شركة النفط الحكومية، بأعلى عدد من الحفارات في أربع سنوات. وطبقا لوكالة الطاقة الدولية، فقد أحيت حقل الدمام القديم، والذي تم توقيفه منذ 30 عاما. ومع ذلك، فإنه لا يوجد شيء واضح عن كمية النفط التي تخزنها المملكة، وحجم الإنتاج الإضافي الذي يمكن أن تعده ومدته الزمنية.
وتصارع الدول المستهلكة من أجل الرد أيضا. وفي بريطانيا، تعرض جورج أوسبورن، وزير المالية البريطاني للنقد من سائقي السيارات والناقلات، وذلك بعد أن خفض الزيادة المقررة لحصة الوقود في الميزانية هذا الأسبوع. وقد قدم إصلاحات ضريبية تهدف إلى تشجيع إنتاج النفط في المياه البريطانية. ولكن من غير المرجح أن يغير ذلك شيئا في الإمداد العالمي، حيث إن بحر الشمال يواجه الآن انخفاضا حادا بسبب استنزاف الحقول القديمة.
وقد قام أوباما هذا الأسبوع بجولة في مجال الطاقة لمدة يومين، حيث قام بزيارة مواقع إنتاج الوقود الأحفوري والطاقة المتجددة. وكان ذلك في وسط الضغوط بسبب ارتفاع أسعار النفط، وانتقاد لقرارات مثل الوقف عن الحفر لمدة ستة أشهر في المياه العميقة في خليج المكسيك، وذلك بعد التسرب الذي حدث في بي بي عام 2010، وقال إنه يسلط الضوء على حقيقة أن إنتاج الولايات المتحدة قد وصل لأعلى مستوى له في ثماني سنوات، ولأول مرة ينخفض حجم الاستيراد إلى أقل من نصف الاستهلاك منذ أكثر من عقد من الزمان.
ومع ذلك، تعتبر هذه النتيجة الأولى بسبب زيادة إنتاج النفط من حجر الأردواز، والذي أصبح ممكنا بسبب التقدم في تقنيات التكسير الهيدروليكي والحفر الأفقي، وهذا ليس له أية علاقة تذكر مع سياسة الحكومة. وقد أكد الجمهوريون على أسعار الوقود أثناء الهجمات على أوباما في الفترة السابقة للانتخابات الرئاسية في شهر نوفمبر (تشرين الثاني)، على أنها علامات للانتعاش المتواضع في سوق العمل مما يجعل من الصعب الصراع على قضية الوظائف. وعلى الرغم من أن الأمريكيين قلقون وغاضبون من تكاليف الوقود بدلا عن الغضب من أسعار البنزين وحدها، مما يعكس الأداء العام للاقتصاد والذي يبدو أنه يؤثر في الانتخابات.
ويعتقد معظم الاقتصاديين أن ارتفاع الأسعار الذي شوهد هذا العام، وفي الوقت نفسه تقوية الأسعار الحالية ضد تأرجح الاقتصاد العالمي، لن يكون كافيا لإزالة الأضرار، وبالنسبة للدول المستوردة للنفط فقد خفضت الدخل الحقيقي لكي ينمو الإنتاج. وبحسب الاقتصاديين في بنك جولدمان ساكس، فإن ارتفاع أسعار خام النفط بنسبة 10 في المائة، سيؤدي إلى خفض نمو الاقتصاد الأمريكي بنسبة من 0.25 إلى 50 في المائة، مع إجماع التوقعات على أن نمو اقتصاد الولايات المتحدة يراوح بين 2 و 2.5 في المائة لعام 2012. إن تأثير ارتفاع الأسعار لايذكر حتى الآن، ولكنه لن يكون مأساويا.
والأكثر إثارة للقلق سيكون الدليل بشأن ارتفاع الأسعار التي تعكس أو تشجع الضغوط التضخمية العامة مثل التي شوهدت في السبعينات، ولكن الأدلة الداعمة مفقودة. وعلى الرغم من الزيادات الأخيرة في التوقعات الخاصة بأسعار أعلى، فلا تزال التدابير الجوهرية للتضخم في أكثر الاقتصادات الرائدة منخفضة، وأسعار السلع الأخرى، والمعادن، والمواد الغذائية، والزراعة، والمواد الخام لاتزال أقل من العام الماضي.
وسيكون لتعطل الإمداد الحاد في الخليج شأن آخر، حيث يظهر أن أسعار النفط لديها تأثير''غير مستقيم'' في النمو. والارتفاعات الأعلى تسبب ضررا متناسبا، ربما لأنها تكون غالبا مصحوبة بالشك المتصاعد الناتج عن التوترات السياسية. وقد قامت شركة آي إتش إس جلوبال إنسيت الاستشارية، بعمل إغلاق مؤقت لمضيق هرمز بين إيران وشبه الجزيرة العربية، وهو طريق التصدير من خمسة طرق للنفط في العالم.
وفي تلك الظروف، تعتقد شركة آي إتش إس أن منطقة اليورو ستكون أكثر تضررا، بسبب اعتمادها على النفط المستورد وحالتها الاقتصادية الضعيفة. ويمكن الحد من الاختلال في الناتج الإجمالي المحلي في منطقة اليورو بنسبة 15 في المائة، مقارنة بنسبة 0.9 في المائة فقط للولايات المتحدة. وستتعرض اليابان والهند لأضرار الناتج المحلي الإجمالي نفسها مثل الولايات المتحدة، مع تخفيضات أقل في النمو بالنسبة للهند والبرازيل، وزيادة ناتج روسيا التي تكون مصدرا كبيرا للطاقة.
ويعلق تريفور هاوزير من مجموعة روديوم الاستشارية قائلا، بالنسبة لأمريكا فتوجد بعض الأصداء غير الجيدة لماحدث بداية الثمانينات. ''حيث كان الاقتصاد قد بدأ في النهوض مرة أخرى، لكن ارتفعت أسعار النفط بنسبة 23 في المائة أخرى. وتراجع الاقتصاد الأمريكي في شهر تموز (يوليو) 1981، ولم ينتعش إلا بعد عام ونصف. ويواجه الغرب مخاطر مماثلة اليوم''.
وهناك المزيد الذي يمكن أن تفعله الدول المستهلكة، مثل إطلاق النفط من المخزون الاستراتيجي. ويدرس أوباما وبعض القادة الغربيين هذه الخطوة. وهذا الإطلاق سيتم حتى إذا ما استمرت أسواق النفط على هذه الحال، وبخاصة إذا ماتدهورت أكثر.
وفي حين أن ذلك سيكبح جماح السوق، فإرسال الأسعار في الاتجاه المعاكس هو أكثر صعوبة، و قد أحبط الارتفاع الحاد في الأسعار بعد تعطل الإمدادات من ليبيا بسبب الحرب الأهلية في العام الماضي، ولكن كان سعر النفط أكثر تكلفة عندما تم الانتهاء من هذا الإطلاق مما كان عليه في البداية.
لذلك فعلى الدول المستهلكة للنفط أن يتقبلوا أنهم إذا ما أرادوا تحقيق أهدافهم في منع إيران من التسلح بالأسلحة النووية، فسيكون هناك ثمن اقتصادي لابد من دفعه. ويعلق مايكل ليفي، في مجلس العلاقات الخارجية، في مركز أبحاث نيويورك، قائلا ''يمكننا أن نتنج المزيد من النفط، وذلك سيقلل ضعفنا قليلا''. وأضاف ''لكن أفضل شيء يمكننا القيام به على المدى الطويل هو أن نستهلك نفطا أقل''.

الأكثر قراءة