البيرق

في الجيوش القديمة التقليدية التي يلتقي فيها الفارس بالفارس والراجل بالراجل، والنابل في وجه النابل يصبح أهم جندي هو حامل الراية إذا التقى الجمعان.
ويحتفظ التاريخ الإسلامي المكتوب وتاريخ الجزيرة العربية المنقول بقصص تروى لبطولات حاملي الراية، بل إن هذا الجندي المهم يعين خلفاءه قبل المعركة إن قتل كما هو القائد تماما، الأهم أن تبقى الراية منتصبة لا تمس التراب فإن سقطت سقط الجيش كله وفر جنده وخاب مسعاه.
ولأهمية الراية أو اللواء كما تسميه كتب التاريخ أو البيرق كما تتناقله ألسن الرواة في المجالس، ما سمح بفتح باب خاص به في الدراسات التاريخية والعسكرية ويكفي لأهميته قول محمد - صلى الله عليه وسلم - قبل إحدى المعارك: إني دافع اللواء غدا إلى رجل يحبه الله ورسوله. ما ترك تسابقا وترقبا من أصحابه إلى هذا الشرف الرفيع.
وفي كتب التاريخ التي تروي المعارك تبدأ غالبا بمقولة وكان يحمل لواء الجيش الفلاني فلان، نسبة إلى الشرف الذي ناله وورثه لأبنائه من بعده. وعرفت بعض الجيوش أكثر من حامل راية في الوقت نفسه كنوع من التنظيم كلما كبر الجيش وتفرعت انتماءاته القبلية أو التكتيكية.
ومن صفات حامل البيرق أن يكون مقداما لا يخشى المعارك ولا ثورة الغبار والنار، ولا نوافير الدم وتهاوي الأجساد، واثق ينثر الثقة في الجنود الآخرين، يرفع من معنوياتهم إن رأى الكسيرة، يدفعهم للأمام بالحداء والعبارات الحماسية ويذكر بخطط المعركة ومكاسبها.
في الكرة السعودية التي تئن تحت وطأة الخسائر والنكسات في السنوات العشر الأخيرة نحتاج إلى حامل راية ورافع لواء، وبيرق يرفرف لا ينحني أمام العواصف واحتدام الأمور والصعاب، نحتاج إلى راعي بيرق يعرف كيف يسير بالركب وسط هذه الأمواج العاتية التي هزت الثقة بكل مسلماتنا الرياضية وسمحت للمتردية والنطيحة أن يجدوا مكانا يفتون فيه بلا فتوى وينظّرون بلا علم، رغم أننا نملك المواهب التي تحتاج إلى ثقة فقط ورغم أن وضعنا المالي ليس الأسوأ ولا الأفضل، ولدينا أكبر مورد بشري في المنطقة، لكن الهزات المتوالية أفقدتنا الثقة بكثير من المكتسبات
ولأنها كرة قدم أو الحرب الصغيرة كما تسمى أحيانا، فإن حامل البيرق المرتقب في المقعد الشاغر ينتظر منه أن يكون مجددا خلاقا يتسلح بالثقة والإيمان ويبثهما فيمن حوله، مقداما، مغامرا لا يخشى اللقاء، يكسر الثوابت البالية ويعيد رسم خريطة طريق جديد تعود معه الكرة السعودية إلى مكانها اللائق في بلد يملك مقومات التفوق البشرية والاقتصادية.
هذه الصورة المتخيلة لن تتحقق ما لم تعرف الحكومة أن مباراة كرة القدم لم تعد أحد عشر لاعبا أمام مثلهم، وليست رجلا يستقيل ويأتي بديله، ولا مدربا يقبض الملايين، ولا جمهورا يملأ المدرجات ويهتف بحب المنتخب، بل صناعة تتضافر فيها كل الجهود البشرية والمالية واللوجستية يحكمها قانون واضح ، قانون لا يسقط ولا يتبدل بغياب الأسماء أو حضورها.
وقبل أن نبدأ في رسم الصورة، علينا أن نجيب أو نبحث عمن يجيب عن السؤال المعلق الكبير: ماذا نريد من الرياضة وكرة القدم في بلادنا؟ هل هي تسلية؟ إلهاء؟ تعبئة فراغ؟ إذا كانت كذلك فلماذا الغضب إذا خسرنا ما دمنا نتسلى؟ إن كانت صناعة وثقافة وميدان مزاحمة وتفوق للشعوب الأخرى فلنفعل كما يفعلون.
نملك الكثير من القدرات البشرية التي تتحلى بالتجديد والابتكار والثقة، ودون دعم حكومي واضح تضخ فيه الأموال وتسنّ فيه القوانين لن ينجحوا حتى لو كان حامل بيرقنا المنتظر جوزيف سيب بلاتر.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي