الفن الرفيع في إعداد سيرتك الذاتية الموجزة

الفن الرفيع في إعداد سيرتك الذاتية الموجزة
الفن الرفيع في إعداد سيرتك الذاتية الموجزة

قبل فترة دعيتُ إلى حفلة عشاء لأعضاء مجلس الإدارة غير التنفيذيين للحديث عن النساء في مجالس الإدارات. ورغم أنني كنت أفضل مشاهدة البرنامج التلفزيوني "ماستر تشيف" (أمهر الطباخين) بدلاً من الخروج ومناقشة هذا الموضوع الذي هو أكثر المواضيع استهلاكاً، إلا أنني قبلت الدعوة لأنني كنتُ أرتاح للشخص الذي رتب الحفلة.
قبل الذهاب إلى الحفلة كان علي أن أرسل "سيرة ذاتية موجزة"، ومن ثَمَّ كتبتُ بسرعة شيئاً من قبيل: "لوسي كيلاوي صحفية تعمل في فاينانشال تايمز، وهي عضو في مجلس إدارة شركة أدميرال وألفَتْ عدداً من الكتب". كانت السيرة مختصرة وتركز على النقاط الرئيسة، وكانت تستند إلى أنموذج مفضل لدى رونالد ريجان. وقال لي أحد أصدقائي إنه شاهد هذه السيرة الذاتية المختصرة بشكل ممتع في حفلة فخمة في الثمانينيات: "رونالد ريجان هو رئيس الولايات المتحدة".

#2#

وخلال فترة مناسبة تلقيت قائمة بالسير الذاتية للمدعوين الآخرين، ورأيت مدى الغرابة التي ظهرت بها سيرتي الذاتية وسط المقالات القصيرة التي أرسلوها. أنا الآن أرى أن هناك مشكلة في أنموذج ريجان: فهو لا ينجح تماماً إذا لم تكن رئيساً للولايات المتحدة. والواقع أنه كلما قلت أهميتك ازداد عدد الكلمات التي يبدو أنك ستحتاج إليها. لكن حين كنت أنظر إلى هذه السير الذاتية – التي تذكر حقائق من قبيل "فلان لعب كرة السلة في مباريات بين عدد من الجامعات قبل ثلاثة عقود"، أو "فلان عضو في مجالس الإدارة في 17 جمعية خيرية" – فإن هذا جعلني أتساءل حول هذا النوع الأدبي الذي يحتاج إلى أكبر قدر من الخبرة والمهارة. كم ينبغي أن يكون طول السيرة الذاتية؟ يبدو أن السيرة الذاتية تحاول أن تحقق أمرين: أن تصف صاحب السيرة وأن تبين أنه مختلف عن الأشخاص الآخرين (وأكثر إثارة للاهتمام منهم). معظم الناس يبالغون في القسم الأول ويجعلونه طويلاً فوق الحد، ويتحدثون بشكل موجز دون الحد في القسم الثاني. وقد فكرتُ في هذا المسألة وخرجتُ بثمانية قواعد من أجل تحسين السير الذاتية.
- ينبغي ألا تشتمل أية سيرة ذاتية على أكثر من خمسة مناصب أو إنجازات.
- لا ينبغي لأي شخص أن تشتمل سيرته الذاتية على عبارات من هذا القبيل: "توليتُ مسؤولية دفع القدرات التسويقية ونجاحها عبر الكثير من المناطق الجغرافية". اللغة التي كتب بها هذا الكلام ليست سليمة. ليس هذا فحسب، لكن لن يكترث به أي قارئ على الإطلاق.
- يفضل التقليل من التباهي. ينبغي حظر استخدام الأوصاف. يحدثنا الفيلسوف روجر سكْرَتون في سيرته الذاتية بأن تفكيره "يتسم بالقوة". هذا أمر كنت أعرفه مسبقاً، لكن حين يقولها بهذه الطريقة فإنه يجعلني أبدأ بالشك في صحة ما يقول.
- حاول أن "تبَهِّر" النجاح بقليل من الفشل. الشيء المشترك في جميع السير الذاتية هو أن كل شيء قام به كل شخص هو دائماً إنجاز عظيم. حين تعترف بمواجهة الصعوبات فإن هذا يظهرك بمظهر أشجع من غيرك وأكثر إثارة للاهتمام وأكثر انفتاحاً. لذلك أقترح أنه يجدر بهوارد ديفز أن يقول في سيرته الذاتية إنه استقال من كلية لندن للاقتصاد في ظروف صعبة على صلة بنظام القذافي. سيكون هذا أفضل وأكثر صراحة بكثير من قوله لنا، على سبيل المثال، إنه زميل فخري في كلية ميرتون (في جامعة أكسفورد).
- الشهادات الفخرية لا مكان لها في السير الذاتية. ولا مكان كذلك للجوائز. من المؤكد أن جيف إيميلت (رئيس مجلس إدارة شركة جنرال إلكتريك) ليس بحاجة لأن يخبرنا أن مجلة بارون انتخبته ثلاث مرات ليكون من بين "أفضل رؤساء مجالس الإدارات في العالم". إن فِعْل هذا يدل على غلظة، ويعتبر دعوة لأن يرتكب رئيس "جنرال إلكتريك" خطأً في الحكم. (أنا مدركة على نحو يجعلني أشعر بعدم الارتياح أنني ذكرت في صفحتي الخاصة على موقع "فاينانشال تايمز دوت كوم" أني حصلت على جائزتين عفا عليهما الزمن ولا قيمة لهما. لا عذر لي في ذلك).
- بعض التفصيلات الشخصية القليلة مقبولة تماماً، خصوصاً إذا كانت ذات طابع غريب. المشكلة هي أن السير الذاتية تتظاهر بأن الحياة المنزلية منعَّمة ولطيفة – قرأت في السيرة الذاتية لواحدة من أنجح النساء في عالم الأعمال "فلانة لديها ابنة وحيدة رائعة". وقرأت في سيرة أخرى: "متزوجة ولديها ثلاثة أطفال وتمضي معظم وقتها خارج العمل وهي تتفرج على مباريات رياضية عديدة"! هناك رجل أعرفه وضع هذه العبارة في سيرته الذاتية: "متزوج، ولدي طفلان". كان من الممكن أن يكون هذا أكثر إمتاعاً بكثير لو أنه ذكر الحقيقة كاملة: متزوج للمرة الرابعة؛ لدي طفل من زوجتي الأولى وطفل من زوجتي الثالثة. الهوايات مقبولة تماماً. في السير الذاتية التي درستها وجدتُ عبارات من قبيل "يرجح أن تجدها غارقة في أحد الكتب" و"تستمتع بالعمل في البستان إلى حد التطرف، وتمارس التزلج المتهور على الجليد واصطياد طائر الطيهوج". هذه أمور مفيدة وتصف لي الشخص الذي أحب أن ألتقيه، والشخص الذي ربما لا أحب أن ألتقيه.
- أكثر الأمور التي تشير إلى ذِلة صاحبها حين يقول إنه "مطلوب دائماً لإلقاء الكلمات والمحاضرات" أو "يظهر بصورة منتظمة في الراديو التلفزيون". الادعاءات التي من هذا القبيل نجدها في كل مكان وتدل على الترهل.
- السيرة الذاتية المفضلة لدي، بعد سيرة ريجان، تأتي من مؤتمر حضره زوجي للتو. "ولد توماس كريمر في ترانسلفانيا (منطقة تاريخية في غرب رومانيا). ونجا من معسكر الاعتقال في بيرجن – بِلسِن" (في ألمانيا). وهي تعدد بصورة موجزة بعض الشركات التي أنشأها، ويقول في ختامها: "توماس كريمر وزوجته، الليدي أليسون، يعيشان في مسكن ريفي كبير يعود إلى عصر الملكة إليزابث الأولى". أعجبني ذلك لكنه أثار لدي فكرة تبعث على الكآبة. لعل السير الذاتية مملة ومتوقعة لأن حياة أهل الأعمال هي في أغلبها مملة ومتوقعة كذلك – على اعتبار أن الناجين من معسكرات الاعتقال والزوجات الأرستقراطيات موجودون بأعداد قليلة.

الأكثر قراءة