أخبار اقتصادية

إنتاج السعودية النفطي سيستمر أكثر من 100 سنة

إنتاج السعودية النفطي سيستمر أكثر من 100 سنة

توقع مختص في قطاع الطاقة أن تواجه دول العالم شحا في كميات النفط بعد 40 عاما تقريبا، مع استثناء عدد من الدول والتي من بينها المملكة وبعض دول الخليج التي تتمتع بمخزونات ضخمة مما سيطول من زمن نضوب النفط فيها إلى أكثر من 100 عام، وسيحمل شح النفط في طياته مخاوف وتحديات كبيرة في حال لم تكن هناك بدائل متاحة تقنيا ومجدية اقتصاديا، وأهم هذه المخاوف تتمثل في انهيار الاقتصاد العالمي. وقال الدكتور محمد السهلاوي أستاذ اقتصاديات الطاقة في جامعة الملك فهد للبترول والمعادن رئيس الجمعية السعودية لاقتصاديات الطاقة في حوار مع ''الاقتصادية'': إن النفط سيظل موضوعا حيويا محليا ودوليا، لأنه يمثل عصب الاقتصاد العالمي، خاصة أن تجارة النفط تشكل 15 في المائة من التجارة الدولية. ويزيد من أهمية النفط ارتباط تسعيرته بالدولار، لأن 90 في المائة من الاحتياطيات النقدية الدولية بالدولار، ما يضيف قوة أكبر للنفط من جهة، ويوفر من جهة أخرى دعماً اقتصاديا وسياسيا مباشرا وغير مباشر للدولار. وقدم الدكتور السهلاوي رؤيته حول مستقبل صناعة النفط وأهم العوامل المؤثرة في أسعاره وتأثيره في الاقتصاد العالمي. وتطرق السهلاوي، وهو رئيس سابق لدائرة الإعلام لوكالة أنباء ''أوبك''، إلى دور ''أوبك'' التاريخي في صناعة النفط. وتحدث السهلاوي الذي كان يشغل منصب المدير العام لصندوق تنمية الموارد البشرية، عن دور الصندوق في مكافحة البطالة وتوطين الوظائف وبعض الصعوبات التي تواجه تطبيق السعودة. إلى الحوار: عبر المواقع التي شغلتها ـ كخبير في اقتصاديات الطاقة، لماذا ـ في رأيك ـ يظل النفط موضوعا حيويا؟ يظل النفط موضوعا حيويا على الساحتين المحلية والدولية، لأن النفط هو عصب الاقتصاد العالمي ولأن تجارة النفط العالمية تشكل 15 في المائة من التجارة الدولية، وتمثل هذه النسبة ثقلاً كبيراً في ميزان التجارة الدولية. ويزيد من أهمية النفط تسعيره بالدولار، لأن 90 في المائة من الاحتياطيات النقدية الدولية بالدولار، ما يضيف قوة أكبر للنفط من جهة، ويوفر من جهة أخرى دعماً اقتصاديا وسياسيا مباشرا وغير مباشر للدولار. كيف ترى مستقبل إمدادات النفط في الأسواق العالمية؟ علينا أن ندرك أولا أن نضوب النفط أمر حتمي، وتشير الدراسات والأبحاث إلى أن العالم سيواجه شحا في النفط بعد 40 سنة تقريباً، إلا أن الدول ذات المخزونات الضخمة، وعلى رأسها المملكة وبعض دول الخليج، سيطول زمن النضوب فيها إلى نحو 100 سنة. ويحمل شح النفط في طياته مخاوف كبيرة إذا لم تكن هناك بدائل متاحة تقنيا ومجدية اقتصاديا، وأهم هذه المخاوف انهيار الاقتصاد العالمي. مرت أسعار النفط بتقلبات كثيرة، فما أهم التحولات والعوامل المؤثرة في الأسعار؟ باستعراض سريع لأسعار النفط، منذ اكتشافه، نلاحظ أنه بدأ كسلعة رخيصة، وكانت شركات النفط العالمية تتحكم في الإنتاج والتكرير والتسويق والتسعير وفي جميع مراحل الصناعة النفطية، ولكن ظهور ''أوبك'' عام 1960 منح الدول المنتجة تأثيراً لرفع الأسعار إلى مستوى يحقق العدالة السعرية للمنتجين والمستهلكين، وبدأت الدول في ''أوبك'' التدرج لامتلاك مصادرها النفطية الوطنية وخرجت من اتفاقيات الامتياز السابقة التي كانت تمنح شركات النفط مزايا كبيرة لصالحها، ووضعت أطرا قانونية تضمن حقوق الطرفين وتساعد الدول على تأميم ثرواتها وعقد اتفاقيات جديدة لتطوير وإنتاج وتسويق البترول. وأخذت المملكة هذا المنحى إلى أن تم امتلاك القطاع البترولي في شركة أرامكو السعودية في عام 1980، وأصبحت شركة سعودية خالصة. وبسبب كل تلك العوامل إضافة إلى تنامي الطلب على البترول بدأت الأسعار تأخذ مسارا تصاعديا يحقق العائد المجزي للدول المنتجة ولا يهضم حقوق شركات البترول ويواكب الاحتياج العالمي، ويسهم في تحقيق النمو الاقتصادي العالمي. إلا أن المتغيرات السياسية الطارئة كانت ذات أثر كبير ومفاجئ ومن أهمها الحرب العربية الإسرائيلية عام 1973. وقد كان لارتفاع الأسعار المفاجئ آثار إيجابية مؤقتة في الدول المنتجة إلا أن آثاره السلبية كانت أعمق لأن ذلك أدى إلى توجه الاستثمارات النفطية إلى مناطق غير تقليدية مثل حقول بحر الشمال التابعة لبريطانيا والنرويج، كما بدأت الدول المستهلكة تطبيق سياسات تعنى بترشيد استخدام الطاقة واستحداث بدائل غير تقليدية، وبدأت آثار تلك التحركات تظهر في الثمانينيات وأدت إلى إغراق السوق بكميات كبيرة من النفط وبدأت حصة ''أوبك'' تتقلص وانخفضت الأسعار إلى أقل من عشرة دولارات للبرميل. كل ذلك أدى إلى ظهور هيكلية جديدة للسوق وأخذ العرض والطلب والأحداث الكبرى دوراً أكبر في التحكم في الأسعار يتفوق على دور ''أوبك''. وبعد الثمانينيات طرأت أحداث كبيرة أهمها انهيار الاتحاد السوفيتي الذي سبب تحولا كبيرا على الصعيدين السياسي والاقتصادي إضافة إلى قيام حرب الخليج ثم احتلال العراق. وعلى الصعيد التجاري ظهرت تغيرات سوقية، وأصبح التعامل مع النفط يتم على أنه سلعة مدرجة في البورصة وظهرت المضاربات في العقود الآجلة، كل ذلك إضافة إلى الانفجارات السياسية والعسكرية في مناطق أخرى من العالم أدى إلى تقلب الأسعار بشكل لا يمكن توقعه وذهبت بها في اتجاه تصاعدي حتى بلغت في عام 2008 أكثر من 140 دولارا للبرميل. وقد كان للارتفاع الكبير في الأسعار تأثير عكسي في الاقتصاد العالمي، وطرأ التساؤل الذي ما زال محل جدل، هل فجرت الأزمة الاقتصادية العالمية أسعار النفط أم العكس؟ ما أهم التغيرات على مستوى الإنتاج؟ الإنتاج يزداد منذ أكثر من 30 سنة بمعدل 1 إلى 1.5 في المائة سنويا، وصولا إلى حدود 85 مليون برميل يوميا كمتوسط في عامي 2010، 2011، وأصبحت هناك منتجات نفطية يمكن أن تعزز الإنتاج العالمي مثل الزيت الرملي والزيت الصخري التي على الرغم من تكلفتها أصبحت مبررة في ظل الأسعار الحالية المرتفعة. وكانت زيادة الطلب محفزا لزيادة الإنتاج بعد ظهور اقتصادات ناشئة وصاعدة معتمدة على النفط بشكل كبير مثل الصين والهند ودول لاتينية وبعض دول الشرق الأوسط التي يزداد استهلاكها للطاقة. ما مدى قدرة العالم على التحكم في مسار أسعار النفط ؟ أصبح من الصعب التحكم في أسعارالنفط لأنه سلعة مهمة ولها جوانب استراتيجية كثيرة وتتأثر بالأحداث السياسية والعسكرية وتتأثر بأسعار الدولار والذهب، وسعر النفط قابل للتذبذب ولكن في نفس الوقت لن يتعرض لتقلبات حادة لأن حجم تجارة النفط في التجارة العالمية ضخم، وهو عنصر أساسي في النمو الاقتصادي لجميع الدول ولن تترك أسعاره في مهب الريح. ومن المؤكد أن تسهم أحداث 2011 وتحرك الشعوب العربية تجاه الديمقراطية والأزمات وعدم الاستقرار السياسي إضافة إلى التحولات الاقتصادية الاجتماعية والسياسية في العالم في رفع الأسعار وعدم استقرارها، ولكن دول العالم ستحرص على عدم السماح للأحداث أن تأخذ الأسعار إلى مستويات عالية جداً، فعلى الرغم من الظروف التي نشهدها الآن فإن النفط يبقى في حدود 100 دولار. تتزايد الدعوات لتطوير مصادر طاقة متجددة، فما الدوافع وراء هذه الدعاوى وما الفرص المتاحة لظهور أنظمة الطاقة المتجددة بشكل واسع؟ يظل النفط مصدرا قابلا للنضوب في الـ 40 أو الـ 50 سنة المقبلة، وهذه حقيقة لا يمكن تجاهلها على الرغم من الجدل العلمي حولها، لذلك لابد من التوجه علميا وعمليا وسياسيا واقتصاديا لإيجاد بدائل متجددة للنفط، وعلى الرغم من تأثير الحملات البيئية الموجهة ضد الوقود الأحفوري، إلا أن التحولات في مصادر الطاقة ستكون دوافعها اقتصادية بالدرجة الأولى. وتظل الدول المتقدمة تنظر إلى الطاقة الشمسية على أنها البديل الأمثل، وهناك دول مثل ألمانيا وفرنسا تحقق قفزات علمية في توفير وإنتاج الطاقة الشمسية. وبالنسبة للطاقة النووية، فعلى الرغم من أن الاقتصاديين والساسة ينظرون إليها كبديل إلا أنني أعتبرها مكلفة اقتصاديا وغير متجددة وغير آمنة نظرا لتبعاتها السياسية والبيئية، والتوجه لامتلاك الطاقة النووية توجه خاسر، فمن السهل تقنيا تحويل الطاقة النووية للاستخدام العسكري ما يزيد من التوتر العالمي. وإضافة إلى العبء الاقتصادي والبيئي للطاقة النووية تفتقر الكثير من الدول إلى الكوادر المدربة لإدارة وصيانة المنشآت النووية. وهناك الكثير من الخيارات الأخرى أكثر استحقاقاً أن تتبع من أجل تطوير الأموال. كيف تقيم دور منظمة أوبك في التحكم في الأسعار، وما أهم العوامل المؤثرة في سياسات ''أوبك''؟ في عام 1960 تأسست منظمة أوبك وكان هدفها الأساسي استرداد حقوق الدول المنتجة من الشركات البترولية العالمية وتكريس مبدأ إعادة الثروات للدول التي تمتلكها. ولكن تغير هيكل السوق وارتفاع الأسعار إلى مستويات عالية في السبعينيات أدى إلى ظهور منتجين آخرين وتقلصت حصة ''أوبك'' في السوق البترولية حتى وصلت اليوم إلى 37 في المائة. ويظل تأثير ''أوبك'' تنظيمياً أكثر من كونه فاعلاً في تحديد الأسعار أو تحديد الإنتاج، وعندما تقرر ''أوبك'' خفض الإنتاج لا يعني ذلك تحديد السعر ولكن تنظيم السوق والحفاظ على مستويات العرض والطلب في إطار معين. ''أوبك'' لم ولن تكون منظمة احتكارية كما اعتقد الغرب في بداية تأسيسها وتلعب المنظمة دورا سياسيا محدودا يجب عدم المبالغة فيه، فالنفط والغاز سلعتان وليستا أدوات للحرب وتأثيرها اقتصادي في المقام الأول. وامتلاك السلعة لا يجعل المالك في موقع قوة دائمة لأنه يحتاج إلى بيعها كما يحتاج إلى شرائها المشتري والمسألة عرض وطلب، ولسنا في موضع اقتصادي يسمح لنا باحتكار النفط وتحديد الأسعار، فالواقع الاقتصادي يحتم علينا بيع منتجاتنا لمواصلة مشاريعنا التنموية. إلى أي مدى تلعب التقنيات الحديثة دوراً في استمرارية النفط؟ وما أهمية هذه التقنيات للدول المنتجة؟ التوجه إلى تطوير كفاءة استهلاك الطاقة وترشيد استهلاكها ومراعاة أنظمة البيئة والتحول إلى الطاقة البديلة كلها توجهات تقودها الدول المستهلكة وتسعى لها منذ الحظر العربي على النفط عام 1973، ولكن يجب أيضاً على الدول المنتجة الاهتمام بهذه التوجهات انطلاقاً من دواعي بيئية وحفاظا على الموارد الطبيعية ولتحقيق الاستخدام الأمثل للطاقة من منظور استراتيجي. ولكن أين موقعنا في التقنيات والمعارف النفطية؟ للأسف، هناك قصور في قدراتنا التقنية النفطية وهي لا تتوازى إطلاقاً مع موقع المملكة كأهم دولة منتجة تملك أضخم مخزون نفطي في العالم، وعلى الرغم من جهود شركة أرامكو السعودية وجامعة الملك فهد للبترول والمعادن في تطوير تقنيات نفطية وتخريج طاقات بشرية مؤهلة هندسية وإدارية تدير بكفاءة القطاع النفطي، لكن الفترة الزمنية الكبيرة والخبرات المتراكمة منذ عام 1938 إلى الآن لم تستغل لتطوير معارف وتقنيات تجعل المملكة مرجعاً عالميا في مجال الإنتاج والاستكشاف والتكرير والتسويق على الرغم من وجود الأهداف الاستراتيجية وإعطاء مساحة أكبر للبحث والتطوير والاعتماد الذاتي على العنصر السعودي في جميع مراحل الصناعة النفطية، ويظل هناك قصور كبير في تحقيق هذا الهدف يعود إلى أسباب إدارية وعدم وضوح الرؤية في بعض القطاعات. وقد استوردنا التقنية النفطية وتبنيناها ولكننا لم نمتلكها والطريق لا يزال طويلا لامتلاكها، وينطبق الأمر على قطاعات أخرى مهمة في اقتصادنا مثل البتروكيماويات وتحلية المياه.
إنشرها

أضف تعليق

المزيد من أخبار اقتصادية