Author

الدولار الأمريكي ما زال سيد الموقف

|
كثر الحديث عن فقدان الدولار الأمريكي وضعه الدولي كعملة التبادل الأساسية للعالم وعملة الاحتياط الأساسية التي تحتفظ البنوك المركزية بها للأغراض المختلفة، وأخذنا نقرأ عن السيناريوهات البديلة لعصر الدولار الذي ولى وقارب على الأفول، كما أخذت الترشيحات للعملات البديلة في التزايد، بصفة خاصة بالنسبة لليورو أو اليوان الصيني. بل أخذت بعض الدول مثل مجموعة البريكس في الاتفاق على ترتيبات لتسوية المدفوعات الدولية فيما بينها بهدف استخدام عملاتها الوطنية في تسوية قيمة المعاملات التجارية فيما بينها بدلا من الدولار، والذي نظر البعض إليه على أنه يمثل ضربة قاصمة للوضع الدولي للدولار، دون أن يسأل أصحاب هذا الرأي أنفسهم عن نسبة المعاملات التجارية البينية لتلك الدول إلى إجمالي الطلب اليومي في سوق النقد الأجنبي، الذي يزيد حاليا على أربعة تريليونات دولار يوميا تتم أساسا بالدولار الأمريكي. تجدر الإشارة إلى أن العالم أخذ يشهد أخيرا تصاعد الدور الدولي لبعض العملات غير التقليدية، مثل الفرنك السويسري والدولار الأسترالي والدولار الكندي، التي يتزايد استخدامها يوما بعد يوم، غير أن الأهمية النسبية لهذه العملات ما زالت محدودة إلى حد كبير، كما أن استخدام هذه العملات على النطاق الدولي ينحصر تقريبا في تسوية المعاملات التجارية البينية، التي تمثل جانبا صغيرا من إجمالي الطلب اليومي على العملات في السوق العالمي للنقد الأجنبي. من الناحية الواقعية، فإن الأوضاع على الأرض لا تسير على هذا النحو الذي توحي به تحليلات المراقبين في هذا المجال، ويوما بعد يوم تثبت التقارير أن الوضع الدولي للدولار لم يتدهور على النحو الذي يشير إليه بعض الكتاب أو يحاول الآخرون إقناعنا به، وأن العملة الخضراء ما زالت عملة التبادل الأساسية للعالم وعملة الاحتياط الأولى للبنوك المركزية لدول العالم كافة. منذ أيام عدة صدر التقرير الأخير لصندوق النقد الدولي عن إجمالي احتياطيات العالم من النقد الأجنبي، الذي احتوى على أحدث إحصاءات احتياطيات البنوك المركزية لـ 139 دولة من النقد الأجنبي حتى الربع الثالث من عام 2011، وتشمل الاحتياطيات الدولية المطالبات على غير المقيمين (الأجانب) في صورة نقد (أجنبي) سائل، واحتياطيات مصارف (بالنقد الأجنبي)، وأذون خزانة وسندات حكومية قصيرة وطويلة الأجل لحكومات أخرى، والمطالبات الأخرى بالنقد الأجنبي القابلة للاستخدام في سداد احتياجات ميزان المدفوعات. الجدول رقم (1) يوضح تطور احتياطيات النقد الأجنبي خلال السنوات الخمس الماضية، التي تنقسم إلى نوعين؛ الاحتياطيات المخصصة، ويقصد بها احتياطيات البنوك المركزية للدول التي تقدم بيانات للصندوق عن تفاصيل تخصيص احتياطياتها بالنقد الأجنبي، والاحتياطيات غير المخصصة، وتشمل احتياطيات الدول التي لا تقدم بيانات عن كيفية تخصيص احتياطياتها لصندوق النقد الدولي وأي فجوات في البيانات عن الاحتياطيات المقدمة للصندوق. يتضح من الجدول أعلاه الآتي: - إن احتياطيات البنوك المركزية في العالم من النقد الأجنبي تزايدت من 6.7 تريليون دولار في 2007، عندما انطلقت أزمة سوق الرهن العقاري في الولايات المتحدة، إلى نحو 10.2 تريليون دولار في الربع الثالث من 2011، تزايدت منها الاحتياطيات المخصصة من 4.1 تريليون دولار إلى 5.4 تريليون دولار على التوالي، بينما تزايدت الاحتياطيات غير المخصصة من 2.6 تريليون دولار تقريبا إلى 4.7 تريليون دولار على التوالي. - من بين الاحتياطيات المخصصة تزايد الطلب على الدولار الأمريكي في إجمالي احتياطيات دول العالم من 2.6 تريليون دولار في 2007، أي بنسبة 64.1 في المائة من إجمالي الاحتياطيات المخصصة إلى نحو 3.4 تريليون دولار في الربع الثالث من العام الماضي، أي بنسبة 61.7 في المائة من الاحتياطيات المخصصة. العملة الوحيدة التي يمكن القول إنها تنافس الدولار كعملة احتياط عالمية نسبيا هي اليورو الأوروبي، التي تزايد الطلب عليها من 1.1 تريليون دولار في 2007، أي بنسبة 26.3 في المائة من إجمالي الاحتياطيات المخصصة، إلى 1.4 تريليون دولار أي بنسبة 25.7 في المائة من إجمالي الاحتياطيات المخصصة في الربع الثالث من 2011. - وفقا لآخر البيانات المتاحة فإنه ما بين الربعين الثاني والثالث في العام الماضي تزايد طلب البنوك المركزية على الدولار الأمريكي من 3.298 تريلون دولار إلى 3.360 تريليون دولار على التوالي، بينما تراجع الطلب على اليورو من 1.458 تريليون دولار إلى 1.400 تريليون دولار على التوالي. - إن طلب البنوك المركزية في العالم على العملات الأخرى (التي تتمثل أساسا في الجنيه الاسترليني والين الياباني والفرنك السويسري وغيرها من العملات مثل الدولار الكندي والدولار الأسترالي) تزايد من 395 مليار دولار في 2007، بنسبة 9.6 في المائة من إجمالي الاحتياطيات المخصصة إلى 684 مليار دولار في الربع الثالث من 2011، بنسبة 12.6 في المائة، غير أنه ما بين الربعين الثاني والثالث من العام الماضي انخفض الطلب على هذه العملات من 711 مليار دولار إلى 684 مليار دولار. - إن هذه التطورات تشير إلى أن الربع الثالث من 2011 قد شهد تراجعا في الطلب على كل العملات في الاحتياطيات الدولية للبنوك المركزية فيما عدا الدولار الأمريكي، الذي استمر الطلب عليه في التزايد. من ناحية أخرى، إذا ما حاولنا تتبع الطلب على الاحتياطيات الدولية وفقا للمجموعات المختلفة من دول العام سنلاحظ التالي: - إن طلب الدول المتقدمة على الدولار الأمريكي قد تزايد من 1.423 تريليون دولار في 2007 إلى 1.915 تريليون دولار في الربع الثالث من 2011. كذلك تزايد طلب هذه المجموعة على اليورو من 522 مليار دولار إلى 698 مليار دولار على التوالي. بينما تزايد طلب الدول النامية والناشئة على الدولار من 1.218 تريليون دولار إلى 1.446 تريليون دولار على التوالي. في الوقت الذي تزايد فيه طلب هذه المجموعة على اليورو من 560 مليار دولار إلى 703 مليارات دولار على التوالي. - ما بين الربع الثاني والربع الثالث من 2011 تزايد طلب الدول المتقدمة على الدولار من 1.791 تريليون دولار إلى 1.915 تريليون دولار، بينما تراجع طلب هذه المجموعة خلال الفترة نفسها على اليورو بصورة محدودة من 707 مليارات دولار إلى 698 مليار دولار على التوالي. أما بالنسبة للدول النامية والناشئة فقد تراجع طلبها على الاحتياطيات بالدولار من 1.507 تريليون دولار إلى 1.446 تريليون دولار، وكذلك تراجع طلبها على الاحتياطيات باليورو من 751 مليار دولار إلى 703 مليارات دولار على التوالي. إن خلاصة التطورات السابقة هي أن الطلب على الدولار الأمريكي في تزايد مستمر بشكل عام، وإنه ما زال، على الرغم من الصعوبات التي تعرض لها منذ بداية الألفية الثانية حتى اليوم، عملة العالم الأساسية سواء في مجال التبادل أو في مجال الاحتياط، وإن هناك محاولات لاستبدال الدولار الأمريكي بعملات أخرى في احتياطيات العالم من النقد الأجنبي لكن الطلب على هذه العملات ما زال محدودا وفي نطاق ضيق بالنسبة لإجمالي احتياطيات العالم من النقد الأجنبي، وإن التطورات الأخيرة التي يتعرض لها اليورو الأوروبي تجعل الدولار الأمريكي سيد الموقف بلا منازع، نظرا للخصائص المتميزة التي يتمتع بها الدولار، التي أهمها أنه يمثل عملة أقوى اقتصاد عالميا، وأن الولايات المتحدة تملك أكبر سوق للمال في العالم، كما أن الولايات المتحدة تملك أكبر دين في العالم من الناحية المطلقة، الذي يقدر حاليا بـ 15.2 تريليون دولار. هذا الدين الضخم، الذي يصنف على أنه من أفضل الديون السيادية في العالم يوفر، بصفة خاصة القصير الأجل منه، للبنوك المركزية ميزة مهمة وهي الاستفادة من احتياطياتها من النقد الأجنبي بالاستثمار في هذا الدين وفي الوقت ذاته التمتع بميزة سيولة هذه الاحتياطيات.
إنشرها