الاتحاد الخليجي.. فيدرالية أم كونفيدرالية؟

الاتحاد الخليجي.. فيدرالية أم كونفيدرالية؟

رحب قادة دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية في قمتهم الأخيرة في الرياض بالاقتراح المقدم من خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز بشأن الانتقال من مرحلة التعاون إلى مرحلة الاتحاد. وقرروا تشكيل هيئة متخصصة يتم اختيارها من قبل الدول الأعضاء بواقع ثلاثة أعضاء لكل دولة، يوكل إليها دراسة المقترحات من كل جوانبها في ضوء الآراء التي تم تبادلها بين القادة. وتقدم الهيئة تقريراً أولياً في آذار (مارس) 2012 إلى المجلس الوزاري في دورته الأولى لعام 2012 لرفعها لأصحاب الجلالة والسمو قادة دول مجلس التعاون، وترفع الهيئة توصياتها النهائية إلى اللقاء التشاوري الرابع عشر لأصحاب الجلالة والسمو قادة دول مجلس التعاون.
المادة الرابعة من النظام الأساسي لدول مجلس التعاون الخليجي، التي تحدد أهداف المجلس، نصت على أن أحد أهداف مجلس التعاون الخليجي هو "تحقيق التنسيق والتكامل والترابط بين الدول الأعضاء في جميع الميادين وصولا إلى وحدتها"، ولكن النظام لم يوضح ما هي هذه الوحدة وهل ستكون كونفيدرالية أم فيدرالية؟
إن الكل متفق على ضرورة تطوير تجربة مجلس التعاون الخليجي، خصوصا أن مشاريع التقارب والتكامل المنصوص عليها في الاتفاقية الاقتصادية تشارف على نهايتها؛ ونعني بذلك الاتحاد الجمركي والسوق الخليجية المشتركة، وبالتالي، لا بد من توفير البيئة القانونية والرسمية للانتقال إلى مستوى أعلى من التكامل.

فيدرالية أم كونفيدرالية؟
الفيدرالية تعني الاتحاد الطوعي بين أقاليم تجمعهم أهداف مشتركة ومصير مشترك. ولم يتفق فقهاء القانون العام في العالم العربي على مصطلح موحد للمصطلح الإنجليزي State Federal فهناك من يطلق عليها "الدولة الاتحادية أو الاتحاد المركزي أو الدولة الفيدرالية أو الاتحاد الفيدرالي وغيرها من التسميات". والفيدرالية ليست حديثة العهد، إنها فكرة قديمة ولكن تطبيقاتها ظهرت للوجود في العصر الحديث في عام 1787 في أمريكا، وفي أستراليا عام 1901، والمكسيك عام 1917، وسويسرا عام 1948، وتوجد في العالم اليوم أكثر من 30 دولة اتحادية.
أما الكونفيدرالية فهي اتحاد بين دولتين أو أكثر من الدول ذات الاستقلال التام بعد عقد معاهدة تحدد الأغراض المشتركة التي تهدف الدولة الكونفيدرالية إلى تحقيقها، ويتمتع كل عضو فيها بشخصيةٍ مستقلة عن الأخرى وتديرها هيئات مشتركة.. تتكون من ممثلين من الدول الأعضاء لتحقيق الأهداف المشتركة، وهذه الهيئة تسمى الجمعية العامة أو المؤتمر، وأعضاؤها يعبرون عن رأي الدول التي يمثلونها، وتصدر القرارات بالإجماع، وتعد نافذة بعد موافقة الدول الأعضاء عليها.
إذا الدولة الكونفيدرالية تتكون باتحاد دولتين أو أكثر من الدول المستقلة - وليست أقاليم - لتحقيق أهداف مشتركة وذلك بموجب عقد معاهدة بينهم وتشرف على تنفيذ نصوص المعاهدة هيئات مشتركة بين الدول الأعضاء. وتتمتع الدول الأعضاء في الاتحاد الكونفيدرالي باستقلالها التام، وترتبط ببعضها نتيجة مصالح عسكرية، اقتصادية أو سياسية. كما هو الحال في الاتحاد الأوروبي.

الفرق بين الدولة الفيدرالية والكونفيدرالية
• لكل دولة عضو من أعضاء الاتحاد الكونفيدرالي ممارسة السياسة الخارجية والتمثيل الدبلوماسي الفعلي. أما أعضاء الدولة الفيدرالية فلا يحق لهم ذلك ويكون التمثيل الدبلوماسي والسياسة الخارجية من اختصاص السلطة التنفيذية في الدولة الفيدرالية (الحكومة المركزية).
• للدول أعضاء الدولة الكونفيدرالية حق إعلان الحرب وليس بإمكان أعضاء الدولة الفيدرالية (حكومات الأقاليم) ذلك، لأنه من صلب صلاحيات الحكومة المركزية (الحكومة الفيدرالية).
• كل خرق للقانون الدولي من قبل أحد أعضاء الدولة الكونفيدرالية يتحمل نتائجه وحده وليس بقية الأعضاء والعكس هو الصحيح في الدولة الفيدرالية.
• تشرف على الدولة الكونفيدرالية هيئات مشتركة بين الدول الأعضاء، أما في الدولة الفيدرالية الحكومة المركزية هي التي تدير الدولة وتترأس أعضاءها.
• يحق لكل دولة عضو في الاتحاد الكونفيدرالي الانسحاب متى شاءت لكونها دولة مستقلة، أما أعضاء الدولة الفيدرالية فليس لهم الحق لأنهم يعتبرون أقاليم وجزءا لا يتجزأ من الدولة الفيدرالية.
• مواطنو الدولة الكونفيدرالية يتمتعون بجنسية بلدهم وليست هناك جنسية موحدة للدولة الكونفيدرالية، أما مواطنو الدولة الفيدرالية يتمتعون بجنسية الدولة الاتحادية الفيدرالية، وهناك جنسية موحدة للدولة الفيدرالية عكس الدولة الكونفيدرالية تتعدد الجنسيات بتعدد الدول.
• في الاتحاد الكونفيدرالي يتعدد رؤساء الدول بتعدد الدول، حيث لكل دولة رئيسها، أما الدولة الفيدرالية (المركزية) تتميز بوحدة رئيس الدولة وسيادة موحدة، أي الدولة الكونفيدرالية لا تعد دولة موحدة تضم بين جنباتها دويلات أعضاء، بعكس الدولة الفيدرالية تعد دولة على الصعيدين الداخلي والخارجي.

التجربة الأوروبية منزلة بين منزلتين
الاتحاد الأوروبي هو جمعية دولية للدول الأوروبية يضم 27 دولة، تأسس بناء على اتفاقية معروفة باسم معاهدة ماسترخت الموقعة عام 1992، ولكن العديد من أفكاره موجودة منذ خمسينيات القرن الماضي.
من أهم مبادئ الاتحاد الأوروبي نقل صلاحيات الدول القومية إلى المؤسسات الدولية الأوروبية. لكن تظل هذه المؤسسات محكومة بمقدار الصلاحيات الممنوحة من كل دولة على حدة، لذا لا يمكن اعتبار هذا الاتحاد على أنه اتحاد فيدرالي، حيث إنه يتفرد بنظام سياسي فريد من نوعه في العالم. وللاتحاد الأوروبي نشاطات عديدة، أهمها كونه سوقا موحدة ذات عملة واحدة هي اليورو الذي تبنت استخدامه 13 دولة من أصل الـ 27 الأعضاء، كما له سياسة زراعية مشتركة وسياسة صيد بحري موحدة.
ويعتمد الاتحاد الأوروبي في بنيته التنظيمية على ثلاثة أجهزة إدارية تعرف بما يسمى المثلث الإداري وهي مجلس الاتحاد الأوروبي، المفوضية الأوروبية، والبرلمان الأوروبي.
ويعد مجلس الاتحاد الأوروبي من أهم الأجهزة الإدارية في الاتحاد (على الرغم من تقليص صلاحياته لمصلحة البرلمان الأوروبي) ويقوم بتمثيل مصالح الدول الأعضاء على المستوى الأوروبي. وله صلاحيات واسعة ضمن المجالات المتعلقة بالركيزتين الثانية والثالثة كالسياسية الخارجية المشتركة والتعاون الأمني لكنه لا يمكن أن يقرر في مسائل متعلقة بالركيزة الأولى إلا بناء على طلب من المفوضية الأوروبية.
ويتكون المجلس من وزراء حكومات الدول الأعضاء الذي يعقد اجتماعاته حسب الحاجة في كل من بروكسل ولوكسمبورج. أكثر الوزراء اجتماعا هم وزراء الزراعة (نحو 14 مرة في السنة)، المالية والخارجية الذين يجتمعون مرة في الشهر تقريبا.
يتم التصويت في المجلس إما بالإجماع، وإما بالغالبية المؤهلة وذلك حسب المجال الذي ينتمي إليه الموضوع المصوت عليه. وتملك كل دولة عضو في المجلس عددا من الأصوات يتناسب مع عدد سكانها. كما يتم زيادة عدد الأصوات المخصص للدول الصغيرة لخلق نوع من التوزان مع الدول الكبيرة.
يبلغ عدد الأصوات الكلي 321 صوتا موزعة على 25 دولة حيث يتطلب لنجاح التصويت بالأغلبية المؤهلة إلى 232 صوتا أي بنسبة تعادل 72.27 في المائة من الأصوات. كما يتطلب أيضا موافقة أغلبية الدول الأعضاء وأن يشكل سكان هذه الدول الموافقة مجتمعة ما يعادل 62 في المائة على الأقل من سكان الاتحاد. وتتولى الدول الأعضاء الرئاسة بالتناوب لمدة ستة أشهر وفقا لنظام محدد سلفا (من يناير حتى يونيو ومن يوليو حتى ديسمبر).
وتهتم المفوضية الأوروبية التي مقرها بروكسل بمصالح الاتحاد الأوروبي ككل، مما يفرض على المفوضين الالتزام بذلك بغض النظر عن جنسياتهم والدول التي ينتمون إليها. وتمتلك المفوضية صلاحيات واسعة في المجالات المتعلقة بالركيزة الأولى حيث يحق لها تقديم مقترحات القوانين والإشراف على تنفيذ القوانين المشتركة بوصفها المسؤولة عن حماية الاتفاقيات المبرمة. كما تقوم بوضع الميزانية العامة للاتحاد والإشراف على تنفيذها. إضافة لذلك تقوم المفوضية بتمثيل الاتحاد في المفاوضات الدولية كما يحق لها توقيع الاتفاقيات مع دول خارج الاتحاد ولها صلاحيات واسعة في مسألة قبول أعضاء جدد في الاتحاد. يتم التصويت في المفوضية على أساس الأغلبية حيث يحق لكل دولة عضو في الاتحاد بموجب معاهدة نيس تعيين مفوض واحد.

لا يوجد نموذج جاهز
يعد مجلس التعاون لدول الخليج العربية تنظيما دوليا إقليميا منذ قيامه رسميا بتوقيع رؤساء الدول الست الأعضاء على النظام الأساسي للمجلس في اجتماعهم في أبو ظبي يوم 25 أيار (مايو) 1981.
وكما هو واضح من النظام الأساسي، فإن مجلس التعاون الخليجي هو تنظيم وحدوي أقرب للكونفيدرالية منه للفيدرالية، فقد اتفقت دول المجلس على تحقيق الوحدة في الجوانب الاقتصادية بشكل أساسي، لكن لن يكون الموضوع بالدرجة نفسها في الجوانب السياسية، بل إن كل دولة ستحتفظ بسياساتها وجيوشها الخاصة في إطار من التنسيق والتعاون. لقد كان ميلاد مجلس التعاون لدول الخليج العربية نبتا لعمل وحدوي خليجي في المستقبل، يتوقف نموه وصلابة عوده على قوة مسيرة مجلس التعاون وما حققه من إنجازات منذ إنشائه حتى اليوم على طريق التكامل بين أعضائه. إن الهدف الوحدوي لدول مجلس التعاون لم يكن غرسا لهذه الأرض الخليجية فحسب، بل كان وما زال وسيظل ثمرة وهدفا لهذه الدول مجتمعة في مجلس واحد، نص نظامه الأساسي في ديباجته وفي مادته الرابعة على أن من أهدافه تحقيق التنسيق والتكامل والترابط بين الدول الأعضاء في جميع الميادين وصولا إلى وحدتها.

الأكثر قراءة