الكرة في ملعبك يا وزير الاقتصاد

لا أعلم إن كان الدكتور محمد الجاسر وزير الاقتصاد والتخطيط يعلم أنه سيعين وزيراً، عندما ألقى بيان مؤسسة النقد السعودي أمام خادم الحرمين الشريفين منتصف هذا الشهر، فقد وجّه الجاسر رسالة تهم كل السعوديين على مشاربهم كافة، وجّهها كمحافظ للمؤسسة، لكنه في الحقيقة هو مَن تلقى هذه الرسالة سريعاً عندما أصبح بعدها بأيام وزيراً للاقتصاد والتخطيط. الجاسر قال في بيانه أمام الملك إن هناك تحديات تواجه الاقتصاد بالسعودية، مشيراً إلى ضرورة تنويع مصادر الدخل وتقليل الاعتماد على النفط كمصدر للدخل، وأضاف ''على الرغم من زيادة دور القطاع غير النفطي في الاقتصاد الوطني، خاصة دور القطاع الخاص، إلا أن القطاع النفطي لا يزال هو المحرك الرئيس للاقتصاد الوطني، حيث يأتي منه معظم إيرادات الدولة والمتحصلات في ميزان المدفوعات''. حديث الجاسر يأخذنا إلى أكثر ما يعانيه الاقتصاد في بلادنا، وهو غياب النموذج الاقتصادي السعودي، فمنذ طفرة أسعار النفط، والسعوديون استبدلوا قلقهم من العجز الذي تحمله الميزانية كل عام، إلى تباشير بشأن الإنفاق العام الذي يصل القطاعات كافة وينعكس إيجاباً على البنية التحتية والخدماتية للمواطن، لكن بعد كل هذه السنوات من تحقيق فوائض مالية ربما لا تتكرر، بقي السؤال المقلق للجميع: أين النموذج الاقتصادي السعودي؟ وما الذي سيبقى من هذه الميزانيات التريليونية عندما تغيب شمس طفرة النفط؟ تخيلوا لو كانت استراتيجية هذا النموذج الاقتصادي قد أقرت وبدأ تنفيذها مع طفرة أسعار النفط عام ٢٠٠٤، حتى ولو افترضنا أنها تستغرق فترة زمنية تتراوح بين 10 و20 عاماً، فقد كنا سنتهيأ لجني قطافها خلال عامين، أما والاقتصاد السعودي ينفق فوائضه النفطية عاماً بعد عام، دون الدخول في النموذج المنتظر، فهذا أمر لا شك أنه سيكون كارثيا على البلاد والعباد، ما أن تبدأ أسعار النفط في الانخفاض، وهو أمر لا بد له من الحصول آجلا أم عاجلا. الاقتصاد السعودي بحاجة ماسة إلى تبني نموذج اقتصادي متين قائم على المشاركة الشعبية وتسريع وتيرة الإصلاحات والاهتمام بمطالب الشباب، الذين سيكونون هم المحرّك الرئيس لهذا النموذج، فاقتصادات مثل تركيا والبرازيل وكوريا الجنوبية نجحت في إيجاد موطئ قدم لها بين أقوى اقتصادات العالم، فقط بتبنيها نموذجها الاقتصادي الخاص بها، على الرغم من أن بداياتها لم تكن سهلة كما يمكن أن يكون في دولة مثل السعودية، حيث اضطرت هذه الدول لتبني سياسات تقشفية صارمة لسنوات عدة، حتى تصل إلى هدفها، بينما السعودية قادرة على التحول تدريجياً لهذا النموذج، تساندها فوائض بترولية تخفف عنها أي أزمة من هذا الانتقال. السعودية تأخرت كثيرا في تأسيس نموذجها الاقتصادي والذي يجب أن يجمع بين فعالية اقتصاد السوق وتحقيق دور أكبر للعدالة الاجتماعية. التركيز في هذا النموذج يجب ألا يكون على تحقيق الربحية، بقدر ما هو تحقيق المنفعة المشتركة لقطاع الأعمال والمجتمع. من الضروري أن تُعكس مسارات الاقتصاد الكلي بالسعودية، عبر الإسهام في توفير النموذج الاقتصادي الجديد. ربما كان محمد الجاسر يتحرق شوقا وهو يلقي هذا البيان، إبان توليه مؤسسة النقد، متمنياً أن تكون الكرة في ملعبه ليحقق ما يحذر منه، وها هي أمنيته تتحقق، فأصبح الملعب بكامله، لا الكرة فقط، تحت إمرته كوزير للاقتصاد والتخطيط.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي