حق تربية الناشئة

في المقالة السابقة أتينا على مجموعة من التصرفات والسلوكيات النبوية والأقوال الحكيمة التي صدرت من القائد والمعلم محمد ـــ صلى الله عليه وسلم ـــ في حجة الوداع، بل كانت تلك التصرفات والسلوكيات والأقوال أشبه ما تكون بعقد فريد من درر وجواهر من الكلام الطيب والأفعال الراقية، مثلما قال ـــ عليه السلام ـــ لمجموعة من الحجاج قاموا بضرب الإبل لتسرع حتى علت أصواتها في أثناء النفرة من عرفة "عليكم بالسكينة، فإن البر ليس بالإيضاع (السرعة)، وعندما وضع يده ـــ عليه السلام ـــ قُبالة وجه الفضل بن عباس ـــ رضي الله عنه ـــ ليحجب عنه النظر إلى بعض الفتيات اللاتي كن يجرين قريبًا من الناقة التي تحمله ـــ عليه السلام ـــ وخلفه الفضل مردوفًا دون أن يقوم ـــ عليه السلام ـــ بزجره وتجريحه، وعندما أمر ـــ عليه السلام ـــ ابن العباس وهو في مزدلفة أن يتوجه بمن معه من الصغار والنساء الضعيفات نحو منى ليرموا الجمرات في آخر الليل خشية الزحام في اليوم التالي، ونبههم إلى عدم رمي الجمرات قبل طلوع الشمس، وهذا يدل على رحمته ـــ عليه السلام ـــ بالصغار والنساء، كما شوهد ـــ عليه الصلاة والسلام ـــ في أول يوم من أيام عيد الأضحى المبارك وهو وسط مجموعة كبيرة من الحجاج، حيث كان يستمتع بالنظر إلى الناس وهم في غاية السرور ينظرون فرحين إلى طلعته الشريفة والكل يغمرهم الفرح والسعادة دون أن يكون حوله حرس، ودون وجود من يزجرهم بلسانه أو بيده أو بسلاحه ليعكر صفو تلك الفرحة الغامرة في يوم من أعظم أيام الله تعالى، بل حتى دون أن يوجد من يفسح الطريق له ـــ عليه السلام ـــ حتى قيل: (لا ضرب وطرد ولا إليك إليك)، فكان ـــ عليه السلام ـــ جزءًا لا يتجزأ من أمته، وبهذه الكلمات وهذه الصور الرائعة عن بعض سيرته ـــ عليه السلام ـــ في حجة الوداع أنهينا ما استطعنا تجميعه من تلك السيرة العطرة بمناسبة موسم الحج الأخير، والآن نعود مرة أخرى لنكمل ما سبق أن تحدثنا عنه في الشأن التربوي، وهذه المرة نكتب عن:

أهمية التربية السليمة
في الحلقات السابقة تحدثنا عن (حقوق الإنسان في التربية السليمة)، خاصة أننا نعيش في زمن تتسارع فيه خطى التغيير، وتحيط بمجتمعنا المحافظ كثير من المؤثرات المتنامية محليًا وإقليميًا وعالميًا من خلال الاحتكاك المستمر بالثقافات الأجنبية، وانفتاح الناس على وسائل الإعلام والاتصالات الحديثة، وتعرض الكثيرين ـــ خاصة ذوي الأيمان الضعيف ـــ لتأثير البرامج الهابطة، فلم يعد العالم قرية صغيرة بل شاشة صغيرة، ويجب على الدول والدعاة والمفكرين وصفوة المجتمع أن يبذلوا قصارى جهدهم لتنبيه الناس لخطر هذا الانفتاح المؤسف الذي أشرت إليه، وكنا قد عَرَّفنا التربية بتعريف بسيط وهو: توجيه للحياة أو بشكل أدق تشكيل لطريقة معيشتنا، حسبما ورد في كتاب "التربية وطرق التدريس" الجزء الأول تأليف الدكتور عبد العزيز عبد المجيد والأستاذ صالح عبد العزيز من إصدارات دار المعارف في مصر، ولأن الأطفال هم المستقبل الواعد لأمتنا فدعونا نتحدث عن:

(تربية الطفل)
يُطلق اسم الطفل على الإنسان الصغير الذي بين السنة والنصف والـ13 سنة، وقبل الطفولة يكون الإنسان رضيعًا، وعمومًا فإن الطفل هو الذي لم يبلغ سن الرشد (بعد العشرين)، ويمكن أن نقول إنها سن الـ21 سنة، وأغلب بلاد الغرب تَعُدُّ الطفل هو الشخص البالغ 18 سنة أو دون ذلك، أما في الإسلام فقد اعتبر أن الشخص الذي هو دون سن البلوغ يُعَدُّ طفلًا، وسن البلوغ في المتوسط للذكر (14) سنة وللأنثى (13) سنة، وأغلب المعاهدات والعهود الدولية تنص على أن الطفل من هو في سن (18) سنة أو دونها.
ومرحلة الطفولة هي من أسرع المراحل نموًا سواء من الناحية العقلية أو النفسية أو الجسدية، لذلك فالتربية للطفل يجب أن تكون ذكية ومستمرة، ولا شك أنها مرحلة بناء شخصية الإنسان، ويقول التربويون إن الطفل يبدأ في إلقاء الأسئلة من سن الثالثة خاصة على أمه ثم أبيه؛ ليبدأ في تكوين توازنه النفسي وتكوين الأفكار والتعرف على بيئته التي حوله والبدء في التعرف على السلوكيات والأخلاق الفُضلى، وهنا تأتي أهمية الدقة والصدق والوضوح في الإجابة من والديه وبالطريقة الفعلية المناسبة، مع تشجيع الطفل على الاستمرار في طرح الأسئلة التي لديه وحذار من إطفاء جذوة حب المعرفة، وفي الحلقة القادمة (203) نكمل ما تبقى، ونودع القراء الأعزاء؛ لأن الحلقة القادمة ستكون نهاية سلسلة حلقات ثقافة حقوق الإنسان التي استمرت قرابة أربع سنوات في صحيفة "الاقتصادية".

عضو الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان*
014708199 فاكس

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي