الجمال القاتل!

فوق مصب نهر كاتاتومبو في مدينة كونجو ميرادور (الفنزويلية) تحدث إحدى أغرب وأندر الظواهر الطبيعية التي لا مثيل لها في العالم، حيث تضيء السماء ببرق متصل ينير بين السماء والأرض على شكل قوس كهربائي يرتفع قرابة سبعة كيلو مترات، ويمكن مشاهدته من على بُعد 400 كيلو متر في منظر جمالي بديع ويستمر على مدى 160 ليلة أي قرابة نصف السنة ولمدة تسع ساعات ليلياً.
ولكن هذا الجمال يحمل بين طياته طاقة كهربائية تقدر بـ 1176000 واط سنوياً وكثافة تصل إلى 400 ألف أمبير كفيلة بقتل مئات البشر بالصعق الكهربائي (يقتل البرق نحو عشرة آلاف شخص حول العالم سنوياً). والشخص الوحيد الذي نجا من تعرضه للبرق سبع مرات هو الأمريكي روى سولفان الذي فقد ظفر إصبع قدمه عام 1942 وحاجب عينه عام 1969 واشتعل شعر رأسه بالنار مرتين وفي البقية تعرّض لإصابات طفيفة!!
وفي الوقت نفسه تعتبر هذه الظاهرة التي تحدث في منطقة صغيرة وبومضات عالية تتكرر 280 مرة في الساعة رغم خطورتها أكبر مصدر لتجديد طبقة الأوزون على وجه الأرض.
عرفت هذه الظاهرة عام 1597 حين ذكرها الشاعر ''فيجا'' في قصيدته الملحمية التي تصف هزيمة القرصان البريطاني فرانسيس دريك حين حاول الهجوم المباغت بأسطوله البحري على مرفأ مدينة ماركايبو ففاجأته تلك الأنوار الساطعة وكشفته وأوقعته في أيدي السلطات الإسبانية، لذا يعتبرها البحارة أعظم منارة بحرية يعجز الإنسان عن مضاهاتها!!
ومنذ ذلك الحين والدراسات قائمة لتفسير هذه الأعجوبة وتوصلوا أخيرا إلى أنها تحدث بسبب تبخر كميات كبيرة من مياه النهر العذبة التي تحملها الرياح إلى ارتفاع سبعة كيلومترات فتتشكل جزيئات الثلج التي تسبب العاصفة الكهربائية، إضافة إلى وجود غاز الميثان الذي يساعد في إطالة عمر العاصفة لذلك لا تحدث إلا ليلا بعد أن تكسر أشعة الشمس غاز الميثان وما إن يحل الشفق حتى تبدأ العاصفة المتواصلة.
والغريب أن هذه الظاهرة اختفت لمدة شهرين العام الماضي 2010 ثم عادت مرة أخرى ولم تكن المرة الأولى التي تختفي فيها هذه الظاهرة فقد اختفت عام 1906 ولمدة ثلاثة أسابيع بعد أن ضرب زلزال بقوة 8.8 ريختر سواحل الإكوادور مما تسبب في تسونامي كولومبيا، وتعزى هذه الاختفاءات إلى تغير مناخ الكرة الأرضية!!
ورغم كل ذلك يسعى أهالي هذه المدينة إلى الحصول على اعتراف من منظمة اليونسكو لحماية هذه الظاهرة وضمها إلى قائمتها، كما ناشدوا حكومتهم بالترويج السياحي لهذه الظاهرة لتحسين معيشتهم يقول أحد أبناء المدينة: ''إن مدينتنا منبع البرق وهذا ما نعلّمه لأولادنا، كما نعبر للسياح عن فخرنا بتلك الظاهرة التي تمثل لنا كنزاً يجب تنميته''.
ولك أن تعلم أن الفولتات التي تولدها العاصفة خلال 15 دقيقة كافية لإضاءة جميع المصابيح في أمريكا الجنوبية لمدة ثانية.
قال تعالى (وَمِنْ آيَاتِهِ يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفاً وَطَمَعاً وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَيُحْيِي بِهِ الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ).‏

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي