Author

تغير الخريطة النفطية للعالم

|
سيكون تغير خريطة النفط العالمية أحد أكثر التحديات التي ستواجهها المملكة ودول منطقة الشرق الأوسط الغنية بالنفط. فجيولوجيا المنطقة الغنية بمنابع النفط جذبت إليها أنظار العالم، وجعلت القوى الكبرى تتصارع على وضع موطئ قدم لها للاستفادة من هذه المنابع، وهذا أسهم بشكل كبير في تشكيل الخريطة السياسية للعالم، حيث أصبحت منطقة الشرق الأوسط، أكثر المناطق تعقيداً بسبب تضارب مصالح الدول الكبرى حولها، وهذا الأمر يزداد حدة عندما يضاف إلى ذلك العوامل الدينية التي تؤجج هذه الاضطرابات. النفط شكل حياة الناس في دول الخليج منذ اكتشافه في بدايات القرن الماضي، وجعل أبناءها يبرزون على الخريطة السياسية الدولية، وأثر بشكل كبير في الجوانب الديموغرافية والاجتماعية والاقتصادية للخليج العربي ولأبنائه. اليوم يتمتع مواطنو الخليج العربي بأفضل معدلات الدخل في العالم، وارتفاع مؤشرات التعليم والصحة، ونمو اقتصادي مطرد. واستمرار ذلك مرهون باستمرار نفط الشرق الأوسط كمصدر رئيسي للطاقة في العالم، واستمرار تدفق عائدات النفط ونموها بشكل يتناسب مع نمو الطلب على الخدمات العامة في دول تتمتع بأعلى معدلات النمو السكاني في العالم. الخبير النفطي المعروف دانيل يارجين لديه وجهة نظر أخرى، فهو يرى، في مقال نشر له حديثاً في صحيفة الـ "واشنطن بوست"، أن خريطة النفط العالمية تتغير الآن بشكل جذري، وبدلاً من استمرار اعتماد الولايات المتحدة على نفط الشرق الأوسط البعيد عنها، فإن التقنية الحديثة وبشكل غير متوقع غيرت الخريطة، وتجد الولايات المتحدة منابع أكثر وفرة للنفط إما على أراضيها، أو قريباً منها في كل من كندا والبرازيل. هذا التغير سيجلب بالطبع معه تغيرات كبيرة ليس على جانب الاقتصاد فقط، ولكن الأهم من ذلك هو جانب السياسة، الذي سيؤثر بشكل كبير في الجاذبية السياسية لمنطقة الشرق الأوسط، وسيحد من قدرة التأثير السياسي التي جلبها النفط لدول الشرق الأوسط الغنية بالنفط. يشير يارجين إلى أن الحديث عن استقلال السياسة النفطية للولايات المتحدة كان أحد الموضوعات التي استحوذت على مناظرات المرشحين الرئاسيين من السبعينيات، وأن السياسة النفطية كانت منذ ذلك الوقت ترتكز على عنصرين أساسيين هما فنزويلا، مثلت مورداً هاماً وآمنا للنفط منذ الحرب العالمية الثانية، والمكسيك، القريبة جداً من أراضي الولايات المتحدة. لكن الظروف منذ ذلك الوقت تغيرت نتيجة لبروز شافيز، المعادي لسياسات الولايات المتحدة، وتراجع انتاج المكسيك خلال السنوات الأخيرة. لكن هناك - حسب يارجين - ما يعيد تشكيل السياسة النفطية للولايات المتحدة، ويجعلها ترتكز على عناصر جديدة ساهمت التكنولوجيا بشكل كبير في بروزها على السطح، وهي النفط الرملي Oil Sands في كندا، والحيازات الملحية في البرازيل pre-salt، والوقود الصخري أو ما يطلق عليهTight Oil في الولايات المتحدة. في كندا يمثل إنتاج النفط الرملي مليون ونصف المليون برميل يومياً، ويتوقع أن يتضاعف هذا الإنتاج خلال العقد القادم. وحسب يارجين هذا سيجعل كندا خامس أكبر منتج للنفط بعد روسيا والمملكة والولايات المتحدة والصين، وحالياً تستورد الولايات المتحدة من كندا ربع احتياجاتها من النفط، مما يزيد من اعتمادية الولايات المتحدة عليها على حساب الاعتماد على نفط الشرق الأوسط. في البرازيل التي تعتمد بشكل كبير على الوقود الحيوي، ساهمت الأبحاث الرياضية في اكتشاف محازات نفطية كبيرة تقع تحت حزام سميك جداً من الملح، لكن الاكتشاف حتى الآن هو اكتشاف رياضي فقط، وسيكون هناك حاجة لتطور تكنولوجي كبير يساهم في استخراج هذا النفط، الذي قد يصل إنتاجه - حسب يارجين - إلى 5 مليون برميل يومياً بحلول عام 2020. المصدر الثالث هو الوقود الصخري المستخرج من الصخور في الولايات المتحدة، والذي سيشكل مصدراً رئيسياً من مصادر الطاقة في الولايات المتحدة، حيث ارتفع إنتاج النفط من التشكيل الصخري في ولاية جنوب داكوتا من 10 آلاف برميل يومياً قبل ثمان سنوات فقط، إلى 500 ألف برميل يومياً، وهناك ازدياد في هذه المصادر في مناطق أخرى كغرب تكساس، حيث يتوقع أن يبلغ إنتاج الولايات المتحدة من الوقود الصخري بحلول عام 2020 نحو 3 مليون برميل يومياً. هل هذا يعني أن ذلك سيؤثر بشكل كبير في الطلب على نفط الشرق الأوسط؟ يارجين يرى أن الشرق الأوسط بما يحويه من حيازات نفطية كبيرة سيظل يشكل مصدراً رئيسياً للنفط، لكن الخريطة النفطية ستتغير. فالصين التي يزداد طلبها للنفط يوماً بعد يوم، إضافة إلى الدول الآسيوية الأخرى سريعة النمو، سوف تحتاج مزيداً من النفط. لذلك فإن نفط الشرق الأوسط سيتجه شرقاً لتلبية الطلب على طلب الدول الآسيوية للنفط. كما أن النفط سيتجه من الشمال إلى الجنوب أو من الجنوب إلى الشمال في نصف الكرة الغربي، بدلاً من اتجاهه من الشرق إلى الغرب. هذا إن حدث، سيحمل بالطبع معه تغيرات كبيرة جداً في خريطة التأثير السياسية في المنطقة، بما في ذلك تزايد الاهتمام من دول آسيا بمنطقة الشرق الأوسط.
إنشرها