عندما يحكم اليوان العالم

عندما يحكم اليوان العالم
عندما يحكم اليوان العالم

''حدث إذعان الدول الحديثة لتفوق الأمم الأكثر نجاحاً منها، عبر الانتصارات السلمية لحركة التجارة، وليس بقوة السلاح''، هكذا حذر ريتشارد كوبدين، نصير التجارة الحرة أحادية الطرف في القرن التاسع عشر أبناء بلده، بأن صعود ازدهار الولايات المتحدة سوف يجتاح التفوق العالمي البريطاني في القريب العاجل.
كتب كوبدين هذه الكلمات في ثلاثينيات القرن التاسع عشر قبل وقوع الحدث بوقت طويل. في هذه الدراسة الجديدة الحافلة بالتحديات، يكتب أرفند سوبرامانيان من معهد بيترسون للاقتصاد الدولي عن التحول التالي من الولايات المتحدة إلى الصين.
من المؤكد أن حدوث هذا التحول أقرب، فبينما كان يثرثر الأمريكيون عن ''لحظة القطب الواحد'' كانت أساساتها الاقتصادية تتداعى. وهو يقول إنه إذا قيست بالشكل المناسب، فإن الصين ندها الاقتصادي بالفعل. وفي القريب العاجل، سوف تكون أقوى كثيراً، اقتصادياً، وفي النهاية عسكرياً أيضاً.
هذه فرضية استفزازية. ولكن بما أن عدد سكانها يبلغ أربعة أضعاف عدد سكان الولايات المتحدة، من المؤكد أن الصين سوف تتفوق على الولايات المتحدة، اقتصادياً، في الوقت المناسب. والسؤال هو مدى قرب ذلك الحدث الآن.

#2#

للإجابة عن هذا السؤال، يؤسس سوبرامانيان مقياساً بسيطاً للقوة الاقتصادية يتألف من حجم الاقتصادين، وحجم تجارتهما وإذا ما كانت البلدان تدير فوائض أو عجوزات في حساباتها الجارية. وهو يخلص، بناءً على هذا الأساس، إلى أن الصين مساوية الآن بالفعل للولايات المتحدة: فاقتصادها بنفس حجم اقتصاد الولايات المتحدة، عند تساوي القوة الشرائية، وتجارتها بالحجم نفسه تقريباً، كما أنها بلد دائن. ويتوقع الكتاب حدوث صعود آخر سريع على جميع هذه الأصعدة الثلاثة: بحلول 2030، ينبغي أن تكون الصين تقريباً مهيمنة بقدر ما كانت الولايات المتحدة مهيمنة في منتصف القرن الـ 20.
وأكثر توقعات الكتاب إثارة هو أن اليوان سوف يضاهي الدولار أو يحل محله كعملة احتياط في أوائل عشرينيات القرن الحالي، وهو موعد يسبق ما يتوقعه معظم الناس الآن. ويرجع هذا بشكل كبير إلى أن الصين سوف تظهر على نحو لا يُقاس باعتبارها أكبر قوة تجارية في العالم: حيث إن العملة تتبع التجارة.
الفرضية تثير أسئلة كبيرة: أولاً، هل يتم قياس القوة الاقتصادية بشكل صحيح؟ أنا شخصياً لا أعتقد ذلك. وعلى وجه الخصوص، تعتبر التجارة واسعة النطاق، نسبة إلى الناتج المحلي الإجمالي، وتحديداً الذي يشتمل على اعتماد قوي على واردات المواد الخام، مصدراً للانكشاف، بقدر ما هي مصدر للقوة.
وبالمثل، فكون البلد مقرضاً يجعله معتمداً على الطلب الأجنبي. وتتمثل العوامل المهيمنة في الحجم الاقتصادي، والمستوى التكنولوجي. ومع ذلك، في حين أن الصين ربما تتفوق قريباً على الولايات المتحدة في الحجم الاقتصادي، إلا أن من المحتمل أن تتأخر خلفها على الصعيد التكنولوجي إلى فترة طويلة.
ثانياً، إلى أي حد يمكن أن تضاهي الصين قريباً نطاق الأصول التي تمتلكها الولايات المتحدة؟ الجواب هو: لا يمكنها، فإضافة إلى ريادتها على الصعيد التكنولوجي، وبالتالي المزيد من التقدم العسكري، فلا تزال الولايات المتحدة تمتلك نطاقاً من الشركات الرائدة عالمياً، وأهم مؤسسات العالم في التعليم العالي، وشبكة قوية من الحلفاء، واللغة العالمية، ونفوذاً ثقافياً هائلاً، ليس أقله قيمها بشأن الحرية والديمقراطية. كل ذلك يجعلها مثل تلك الأصول متفوقة. ولا تستطيع الصين مضاهاتها. وتعتبر الصين بلداً نامياً، إذ لديها تحديات محلية كبيرة، ويحكمها نظام استبدادي – ما أطلق عليه شخصياً ''قوة عظمى غير ناضجة''.
كما أن القيود على ظهور الرينمنبي كعملة احتياط للعالم أكبر بكثير كذلك مما يعترف به الكتاب. وسوف تحتاج البلدان الأخرى إلى الوثوق بالسلطات الصينية لتوفير عملة آمنة يمكن استخدامها بحرية. وسوف يجب على الصين أن تتحرّر، وتفتح أسواق المال الخاصة بها، وتفتح أبوابها أمام رغبات أسواق العالم، وتواجه عدم ثقة شعبها. وسوف تفقد الحكومة سيطرتها على نظامها المالي، الذي هو مصدر قوتها الاقتصادية الأعلى. ومن الصعب التصديق أن بكين سوف تقبل على مثل هذه المخاطر في المستقبل القريب. وحتى أن المؤلف يتصور يوماً قريباً للغاية، حينما تملي فيه الصين، المقرض الرئيس، شروطها على الولايات المتحدة المدينة، مثلما فعلت الولايات المتحدة تجاه المملكة المتحدة في 1956. ويجب ألا يحدث ذلك، ما لم ترتكب الولايات المتحدة أخطاءً جسيمة.
ثالثاً، هل تتابع الصين نهضتها القوية؟ بالنظر إلى عدد سكانها، فمن المحتمل أن يتفوق اقتصاد الصين في واقع الأمر على حجم اقتصاد الولايات المتحدة بشكل كبير. ولكن يمكن أن تكون الرحلة صعبة للغاية. والتوقعات الرئيسة أنها رحلة محفوفة بالمخاطر.
رابعاً، ما الدور الذي يمكن أن تسعى إليه الصين الناهضة؟ فهل تريد، ربما، أن تبدل نظام التجارة متعدد الأطراف بآخر يعتمد على علاقات تقديم الاحترام، حيث الصين في المنتصف، بينما تتحدد قوة الآخرين نسبة إلى قوتها؟ وكيف يمكن أن تستخدم ثقلها للحصول على وصول آمن إلى الموارد؟ وليس أقله، كيف يمكنها أن تحاول السيطرة على ''محيطها القريب''. فالصين يحيط بها، رغم كل شيء، جيران أقوياء، على النقيض من الولايات المتحدة.
أخيراً، كيف يجب على الغرب أن يعامل الصين القوية حديثاً؟ يلمس الكتاب سطح هذه المسألة، ويركز على إلزام الصين بنظام فعال من التجارة متعددة الأطراف. وأنا شخصياً أوافق. ولكنه يتجاهل المصالح العامة العالمية المهمة بشكل كبير، بما في ذلك البيئة، والأمن.
على الرغم من ذلك، تبقى النقطة الكبيرة، أن لدى العالم قوة عظمى جديدة. ويشير التاريخ إلى أن السيطرة على نهضة قوى جديدة أمر صعب.. فدعونا ننشد الحكمة لنبرهن على خطأ التاريخ.

عندما يحكم اليوان العالم
التفوق.. العيش في ظل هيمنة الصين الاقتصادية
تأليف آرفند سوبرامانيان من معهد بيترسون
مراجعة: مارتن وولف

الأكثر قراءة