الاحتياطيات المالية الأوروبية تنفد .. والمركز العالمي يتحول إلى آسيا

الاحتياطيات المالية الأوروبية تنفد .. والمركز العالمي يتحول إلى آسيا

انتقلت رئاسة مجموعة العشرين في فرنسا إلى المكسيك مع انتهاء أعمال قمة كان يومي الخميس والجمعة الماضيين. من دون أن تنجح في إنهاء أزمة اليورو، أو إعطاء الرسائل المطمئنة إلى قدرة الدول الأوروبية على التصدي لأزمة الديون السيادية الأوروبية.
وأظهرت القمة أنَّ السدّ الذي صنعه قادة الدول الأوروبية خلال قمتهم في نهاية الشهر الماضي في بروكسيل وأرادوا أن تدعم قمة العشرين أساساته، للحيلولة دون انتقال أزمة الديون السيادية من اليونان إلى دول أخرى، لا يزال هشا. كما أنَّ القمة لم توافق على فكرة فرض الضريبة على التعاملات المالية، التي لا تزال تثير الكثير من التحفظات، وكانت الدول الأوروبية تأمل أن توفر لها المردود المالي، الذي يسهم، ولو بنسبة ضئيلة، في سد العجز بالميزانيات العامة في ظل الركود الاقتصادي الذي يقف للدول الغربية بالمرصاد.
والأسواق المالية لا تتحمل التردد أقفلت البورصات الأوروبية على تراجع.
ولأن الأسواق ترصد ما سينتج من القمة من نتائج، فقد وافق رئيس الوزراء الإيطالي سيلفيو برسكوني مكرَها على وضع بلاده تحت مراقبة صندوق النقد الدولي والمفوضية الأوروبية للتأكد من تنفيذ الوعود التي أطلقها. علما أن إيطاليا تختلف عن اليونان. فالجزء الأكبر في الديون السيادية الإيطالية هو ديون داخلية، بينما الديون اليونانية هي خارجية.
وقلل الأسواق تجعل إيطاليا البلد الأوروبي المرشح لمضاربات الأسواق على الفوائد لمدة عشر سنوات. فإيطاليا بفائدة بنسبة 6.37 في المائة بينما ألمانيا بنسبة 2 في المائة، والفارق كبير جدا بين إيطاليا واليونان. فحجم الديون السيادية اليونانية يبلغ 350 مليار يورو، وقد وافقت المصارف على إلغاء 50 في المائة هذه الديون، بينما ديون إيطاليا تبلغ 1900 مليار يورو، أي نحو ستة أضعاف الديون اليونانية.
وهذا يعني أن صندوق الاستقرار الأوروبي لن يكون قادرا على إلغاء نصف الديون الإيطالية. فكيف الحال إذا انتقلت العدوى إلى إسبانيا، أو حتى إلى فرنسا. وهذا المسألة ليست مستبعدة في نهاية العام المقبل. فاليوم تشكل الديون الفرنسية نسبة 86.7 في المائة من الناتج الداخلي الخام ولكن إذا ما تفاعلت أزمة الديون السيادية الإيطالية أو الإسبانية فإن باريس ستكون مضطرة لتسليم 108 مليارات يورو لصندوق الاستقرار الأوروبي. وهذا المبلغ يمثل 10 في المائة تقريبا الناتج الداخلي الخام وهذا إذا ما أضيف إلى نسبة العجز في الميزانية العامة المتوقعة والتي ستبلغ 4 في المائة فإن نسبة الديون الفرنسية ستبلغ نحو 100 في المائة بالنسبة للناتج الداخلي الخام. وهذا سيؤدي إلى إجبار فرنسا على الاقتراض بفوائد أعلى؛ لأن نسبة النمو الاقتصادي المتوقعة العام المقبل ستصل إلى 1 في المائة وفقا لما أعلنه الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي أخيرا. وارتفاع الفوائد بنسبة 1 في المائة يعني زيادة أعباء الدين الفرنسي 15 مليار يورو.
انتهت القمة الأوروبية إذن ولم تتمكن الرئاسة الفرنسية من الإعلان بوضوح عن توفير مبلغ الـ550 مليار يورو اللازمة لتحصين صندوق الاستقرار الأوروبي ورفع احتياطه إلى الألف مليار يورو.
وهكذا، فإن قمة العشرين جاءت لتظهر محدودية الاتحاد الأوروبي على حماية اليورو المهدد فعلا بالزوال. في خلال عدم قدرته على إقناع الدول الصاعدة، حتى الآن، بتأكيد الالتزام بزيادة رأسمال صندوق الاستقرار إلى ألف يورو، التي قررتها القمة الأوروبية الأخيرة.
وهي لا تظهر ذلك قط، بل إنها تؤكد أنه لأول مرة في التاريخ أنَّ الدول الغربية لم تعد هي التي تمتلك الادخار والاحتياطات المالية. وأن المركز المالي العالمي لم يعد في واشنطن أو أوروبا بل بشكلٍ أساسي في آسيا. فالصين وحدها تملك احتياطا ماليا يزيد على الـ3.3 تريليون يورو. ناهيك عن البرازيل وبقية أعضاء تكتل الدول الصاعدة الذي يضم أيضا روسيا وجنوب إفريقيا والمكسيك، وهناك دول مجلس التعاون الخليجي.
وبما أن النمو الاقتصادي سيكون ضعيفا العام المقبل في الدول الغربية، إذا لم يحدث الانكماش الاقتصادي فإن الآمال تعقدُ على الدول الصاعدة لكي تدفع بالنمو الاقتصادي العالمي إل الأمام وتساعد الدول الغنية الغربية على تخطي الأزمة المالية والاقتصادية التي تمر بها منذ أربع سنوات.
ومن هنا أعلنت مجموعة العشرين دعمها لإقامة 11 مشروعا للبنى التحتية في مختلف القارات، بتمويل عام وخاص يمكن أن يكون لتنفيذها نتائج حاسمة على النمو الاقتصادي والتكامل الإقليمي.
ومن هذه المشاريع إنشاء شبكة للسكك الحديد تربط الأردن بسورية والسعودية والعراق. وهذه الشبكة - حقا إن أنشئت - تسهم في التنمية الاقتصادية، ولكنها أيضا تدعم بشكل أساسي الدول الصناعية الغربية التي تمثلك الخبرات والشركات المؤهلة لتنفيذ المشروع.
وهذا يظهر حجم التحولات الجارية في العالم وأهمية التكتلات الاقتصادية الجديدة.
وأيضا يطرح على الدول الغربية التحديات الكبيرة التي تدعوها للتأقلم مع العولمة ولإعادة بناء اقتصادياتها على أسس جديدة. وهذا ما فهمه الرئيس الأمريكي باراك أوباما بعد أزمة السبرايم، أي تحويل الاقتصاد الأمريكي من اقتصاد مالي ريعي إلى اقتصاد صناعي، وعلى القادة الأوروبيين، وفي الحالة الفرنسية بشكل خاص العمل على إخراج البلاد من الاقتصاد الريعي إلى الاقتصاد الصناعي. وبدأت هنا في باريس تطلق الدعوات في هذا الاتجاه. ولكن المسألة في حاجة إلى الكثير من الوقت. فلقد لزم لألمانيا 15 عاما لتحصين وضعها الاقتصادي، ويلزم لفرنسا نحو عشر سنوات، فهل تمنح الأسواق مهلة لقادة دول منطقة اليورو ولليورو؟

الأكثر قراءة