تعلَّم كيف تَمُطُّ رقبتك مثلهم؟!

في مسابقة للجري ضمن دورة أولمبية مضت، احتدمت المنافسة بين اثنين من الرياضيين قرب خط النهاية، كان الفارق بين المتسابق المتصدر وأقرب منافسيه لا يتجاوز بضعة ملليمترات، يكفي للتغلب عليها أن يمد أحد المتسابقين لسانه فقط ليتغلب على منافسه! ولكن ما الذي حدث؟! مد أحد المتسابقين رقبته إلى الأمام في وضع يشبه الركوع، بينما تأهب الآخر للمصورين عند خط النهاية! كانت المسافة التي قطعها انحناء اللاعب كافية لحسم النتيجة لصالحه!
تزداد الحاجة للخروج من الأنماط الجاهزة للحلول، حين نتأكد أنها ستؤدي إلى النتيجة ذاتها في كل مرة، تلك النتائج الباهظة التكاليف، التي لا تتغلب على المشكلة بل تعالج أعراضها فحسب كمسكنات الألم أو خافضات الحرارة، بل الأسوأ من ذلك أن تنقل المشكلة إلى أماكن أخرى، أو ربما ينتج عن تلك المعالجة أي من الأعراض الجانبية التي من المحتمل أن تكون أسوأ من بقاء المشكلة من دون معالجة.
تبرز مشكلة المواصلات وخيارات النقل العام في كل مرة نفكر في هذا الأمر، ونتعامل معها بشكل نمطي وننتهي بخلط الأوراق، ونقحم السعودة في الموضوع! ونعالج المشكلة بأن نكون جزءًا منها، فيقترح أحدهم سعودة قائدي سيارات (الليموزين)، بدلًا من طرح بدائل حضارية تجعل الناس يستغنون طوعًا عن قيادة سياراتهم الخاصة لأقرب مسافة يمكن قطعها سيرًا على الأقدام، لماذا لا نقف على السفح ونراقب التجارب الناجحة في دول ليس لديها من الإمكانات المادية أكثر مما لدينا، سوى أنهم يفكرون بطرق غير نمطية، ويشركون أطياف المجتمع ممن يعايشون المشكلة بأن يكونوا جزءًا من الحل، لماذا نغرق في سيل المشكلة في كل مرة نكون مسؤولين عن الحل؟!
يتعاظم العتب على من يجب عليهم أن يكونوا جزءًا من الحل، بحكم المسؤولية التي وَكَلَها إليهم ولي الأمر، بمنحهم الثقة وتذليل جميع الإمكانات المادية والمعنوية ووضعها تحت تصرفهم، وتنتهي بالاستنزاف في حلول استهلاكية لا تنزع فتيل المشاكل من الجذور، بل تتسلسل في معالجات سطحية على طريقة رتق الفتوق لسرطانات تحتاج إلى استئصال، لكون تلك المعالجات قد انقرضت في كل شبر من العالم من عقود من الزمن، حتى أصبحنا بثقافتنا الاستهلاكية نمرر كل الكميات الفائضة عن الحاجة من الحلول البالية، ونستخدمها إلى أن نصل إلى النتيجة ذاتها التي توصلت إليها البلدان التي صدّرتها.
يغضب بعض المسؤولين حين نُشِيد بالنماذج العصرية التي تتفتق عنها الذهنية الشابة لتلك المدينة الفتية التي لم تكن شيئًا يذكر في بداية الثمانينيات الميلادية! مدينة دبي والمترو، وحكومتها الإلكترونية، واستثماراتها النوعية التي تحرص على إضافة القيمة التنموية والحضارية في كل مشروع وتنقل معها المعرفة، وتؤكد أهمية مشاركة المستثمرين مع الحكومة في التنمية وتخفيف الأعباء عنها مقابل تسهيلات تبذلها لأولئك المستثمرين الأجانب، ليست أكثر مما تبذل حكومة المملكة العربية السعودية أضعافه للمستثمرين على أرضها، من دون أن تحصل على النتيجة نفسها التي تصلها مدينة كدبي، نظرًا لغياب الدور المحترف لإدارة المشروعات الحكومية، الذي بات ضرورة وطنية لحماية ثرواتنا من الاستنزاف المتكرر، والذي لا تسمح به ذمة أي مواطن مخلص، فضلًا عن أن تسمح به حكومة خادم الحرمين الشريفين ـــ أيده الله، والله من وراء القصد.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي