اقتصاد الغرامة!

هل أنهكتك المفاجآت؟
من "ساهر"، لجوازات، لأحوال، لبلديات، لمياه.. إلخ؟!
هذا هو اقتصاد الغرامة يا سيدي! أنت لن تتبدل فيه.. فيما يكتسب هو ألواناً قيمية متجددة يدور بها حولك من حين لآخر. وطالما أن هناك قناعة حكومية سادت عن أهمية إنابة القطاع الخاص في إدارة حصة لا يستهان بها من هذا الاقتصاد، فعليك أن تردد مع نفسك كثيرا: أنا قوي.. حتى لو كان القادم أغرم!
ربما لاحظ من عايش، أن الدول التي تهتم بالإنسان كثيراً، لا تعول على الغرامة كمدخل اقتصادي في صميم مهمة استدامة الرفاه، فهذا شأن عقول أخرى تنطلق من إدراك مغاير لما لدينا. وفي تلك الدول، تتم الاستفادة من أموال الغرامة المباشرة في شكلين مهمين:
1- تطوير القطاع المطبق لها (لتقديم خدمة أيسر وأفضل للمواطن).
2- تأهيل المغرّم وتوعيته (لتقليص فرص إرباك المجتمع المدني مستقبلا).
فهل نابك أنت، من الأولى أو حتى الثانية، أي ملمح من الثنتين؟ أخشى أن تكون إجابة سوادنا الأعظم هي (لا)!.
مثلاً، أذكر جيداً أن بريدي الإلكتروني موجود لدى المرور والأحوال والجوازات منذ سنوات، ولكن لم يصلني حتى اليوم أي بريد إلكتروني منهم جميعا.. دونما استثناء! وكذلك الحال بالنسبة للبلديات، الكهرباء، الماء، الاتصالات وغيرهم. ولو شئنا التفصيل، ففي حالة المرور، من المفروض أن تتواصل معي إدارته عبر هاتفي النقال أو بريدي الإلكتروني لتذكيري بتاريخ انتهاء رخصة القيادة مثلاً. وللمقارنة، يصلني كل سنة، وبانتظام رسالة sms وإيميل من شركة تأمين السيارات لتنبيهي بقرب موعد تجديد غطاء التأمين الخاص بسيارتي. في المقابل، والحديث عن المرور كمثال، تصل رسالة "ساهر" خلال 24 ساعة من وقوع المصيدة المتجددة في شارع لا يحمل أي لافتة لتحديد السرعة! وأظن أن الخلل واضح هنا!
وبما أن اقتصادنا، في صارم الأمر، هو اقتصاد ريعي، فإن المهمة يجب أن تكون أكثر وضوحاً! إذ من شبه المستحيل أن يستمر المجتمع في تقبل فكرة صلاح الغرامة وتنزيهها كونها سبب رئيس في تهذيب سلوك غير قانوني فقط! ولو كان الأمر كذلك، لبذلت إدارات العلاقات العامة والإعلام في تلك الجهات جهداً خرافياً للتوعية بالحقوق قبل العقوبات. وهذا ما لم يحدث بالشكل المطلوب في واقع الأمر! وقبل أن أنغمس أكثر في جزئية لذيذة رغم إشباعها بالتناول من كثر، أعود إلى موضوعي لأنبه إلى أن سياسة التغريم المتبعة حالياً ستصنع جيلاً مدمناً لاقتصاد الغرامة، وهو شبيه بجيل أدمن دفع ثمن ما يقول عبر أجهزة الهواتف النقالة. بعبارة أخرى، سيعتاد هذا الجيل على تخصيص جزء من دخله لدفع الغرامة تماماً كما يفعل دافع الضرائب في كثير من دول العالم. وهذا يتوّه ملامح الغرامة ويمسخ هويتها ويلغي الغاية والهدف منها. وعلى الجهات المطبقة للغرامة أن تكشف عن وجوه إنفاق هذه الأرقام المهولة التي يتم تحصيلها خصوصاً فيما يتعلق بتطوير حياتنا كمجتمع مدني، وكيف؟ هكذا سنتمكن من شكرهم.. وأن نقترح أوجها أفضل أو أشمل للتطوير مستقبلاً. لذا، على اقتصاد الغرامة أن يتجاوز فكرة الوصاية التهذيبية.. إلى الأدائية الوظيفية، وخصوصاً أن المعني بالردع والحماية هو الإنسان وليس دخله الشهري!
المخالصة في كل هذا:
اقتصاد الغرامة.. لم يكسب أحد(!)

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي