قصور تصميم مناطق العمائر السكنية

انتشر الاستثمار في بناء الشقق السكنية، وازداد إقبال الناس على امتلاكها بعد صدور نظام ملكية الوحدات العقارية وفرزها، خصوصاً في مدن المملكة الرئيسية؛ لكونها تتيح لكثير من الأسر الحصول على المسكن وامتلاكه في حدود استطاعتهم المالية، ومن دون الحاجة إلى تحمل أعباء مالية تفوق مقدرتهم، وهو ما جعل أيضاً امتلاك الشقق السكنية بالتقسيط بديلاً جيداً للإيجار وبالذات للأسر الصغيرة أو المتكونة حديثا.
ونتيجة لشدة الإقبال على امتلاك الشقق السكنية ظهرت مناطق سكنية مخصصة لإقامة عمائر سكنية بارتفاع يتراوح بين أربعة طوابق وخمسة، وبكثافات سكنية متوسطة إلى مرتفعة. وعلى الرغم من أن الشوارع المحيطة بهذه الوحدات السكنية واسعة نسبياً إلا أن تلك المناطق تفتقد للفراغات العمرانية المكملة (من: حدائق، وساحات، ومناطق تجمع، وملاعب أطفال، وممرات مشاة، وغيرها)، وهو ما جعل هذه المناطق تصبح موحشة، تولَّد لدى المقيم فيها الإحساس بالانغلاق والعزلة. ولأن بعض تنظيمات البناء تمنع أيضاً إقامة أنشطة تجارية في مباني العمائر السكنية، فإن تلك المناطق تظهر وكأنها ميتة أو مهجورة لخلوِّ شوارعها من الحركة. ومع النقص الشديد كذلك في مواقف السيارات فإن السكان يضطرون إلى تضييق مسارات حركة السيارات بالوقوف على حافتي الجزيرة الوسطية للشارع وكذلك فوقها.
إن نجاح التصميم العمراني لمناطق العمائر السكنية يتحدد بمستوى استجابة الفراغات العمرانية والمساحات المفتوحة المتوفرة بها لأنشطة السكان الترفيهية والاجتماعية، وبمدى منحها لهم الشعور بالراحة والطمأنينة والأمان. لذا فإن العناية بالفراغات العمرانية وتوفيرها يعد مطلباً أساسياً في تصميم المناطق السكنية – بشكل عام – ولكنه يتعين بشكل أكبر في مناطق العمائر السكنية؛ لأن الغالبية العظمى من سكان الشقق السكنية يفتقدون الفراغات الخارجية في مساكنهم.
إن الفراغات العمرانية والمساحات المفتوحة تعد أماكن مشتركة لكل السكان، ويجب أن تشكل أرضية مناسبة لمزاولة الأنشطة الجماعية. كما يعد تصميم الفراغات العمرانية والأماكن المفتوحة الذي يجعل عملية التنقل على الأقدام بينها آمنة وميسرة للجميع؛ مؤشراً أساسياً على جودتها العمرانية.
وإذا عُلم ذلك وجب على واضعي التنظيمات الخاصة بمناطق العمائر السكنية، وكذلك المصممين والمخططين العمرانيين؛ التعامل مع تصميم تلك المناطق بوصفها كياناً يتفاعل مع متطلب العلاقات الإنسانية الإيجابية بين السكان وبين بيئتهم السكنية العمرانية والطبيعية، وتوفير طيف كامل من العناصر العمرانية (المشتملة على: الحدائق، وملاعب الأطفال، والساحات، وممرات المشاة، ومواقف السيارات) وكذلك مباني الخدمات الأساسية، ومحال الأنشطة التجارية الضرورية لاحتياجات السكان اليومية. والعناية كذلك بتوفير نوادٍ للخدمات المساندة ضمن مناطق العمائر السكنية، وتجهيزها لإقامة الحفلات والولائم، وتزويدها بالعناصر الترفيهية والرياضية (المشتملة على: المسابح، وصالات التدريب، والملاعب)؛ لتمكين سكان الشقق السكنية من مزاولة الأنشطة جميعها الرياضية والترفيهية والاجتماعية، وإقامة الحفلات واستضافة الأقارب والأصدقاء، من دون الإحساس بأن سكنهم في الشقق السكنية قد سلبهم حريتهم في مزاولة كثير من الأنشطة الخارجية أو حقهم في إقامة العلاقات الاجتماعية.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي