هل لدينا ثقافة الشكوى أم تعبنا منها؟

الحديث لا يتوقف والنقاش لا ينتهي عندما يتعلق الأمر بجودة الخدمة ورضا العميل من جميع مقدمي الخدمة للمواطن بلا استثناء، سواء الحكومية منها أو الخاصة، وأنا على يقين أن كل واحد منا يحمل قصصا كثيرة وليست قصة واحدة، عانى فيها ظلم سوء الخدمة أو سوء التعامل من موظف حكومي أو من قطاعات خاصة أو من قطاعات لها علاقة بالمستهلك، إلى درجة أننا عشنا مرحلة نخاف من أن نشتكي ونطالب بحقوقنا؛ خوفا من تبعات تلك الشكوى التي قد تتسبب في تأخير معاملات أو حتى في فقدان معاملات. ولذلك فإن الكثير كان يؤثر التحمل خوفا من العواقب. وعلى الجانب الآخر نجد أن البعض منا يعتقد أن رفع حدة التعامل مع مقدمي الخدمة يجدي نفعا لإنجاز العمل أو المعاملة، ولكل تبريراته ومصداقيته في النقاش والطرح. وفي النهاية فإن القناعة السائدة تقول إن جميع مقدمي الخدمة يسعون إلى رضا العميل! لكن الواقع يختلف كثيرا إذا وصل الأمر إلى التطبيق الفعلي.
ومرت علينا حقبة زمنية كانت تحمل توجها جديدا في طرح مشكلاتنا مع مقدمي الخدمات، سواء الحكومية أو الخاصة، هذا التوجه يعتبره البعض فاعلا إلى حد كبير، لكنه يشمل الكثير من سوء الاستخدام في بعض الأحيان، وهو التشهير الإعلامي والنقد الإعلامي للسلطة الرابعة، على أمل تحسن الخدمات أو حتى إنجاز المعاملات أو وصولا إلى تدخل شخصيات أو قطاعات عليا لحل المشكلات وفصل الحقوق. وخلال الفترة الأخيرة ومع ثورة الإعلام الجديد، أصبح لدى المواطن طرق جديدة ومبتكرة في طرح القضايا من خلال صفحات الإعلام الجديد عموما، والإعلام الجديد تحديدا، خصوصا ''تويتر'' و''يوتيوب'' إن وجد مادة مرئية تعطي المواطن مصداقية أكبر لطرح شكواه، والشواهد كثيرة والقصص أكثر بين الهجوم والدفاع. وفي النهاية لا يوجد حل مستدام يقلل من الخلل في جودة الخدمة من مقدمي الخدمة ويقلل من الشكاوى والمعاناة لدى المتلقين لتلك الخدمات. أين الخلل؟ ولماذا أصبحت الشكاوى جزءا من حياتنا؟ ولماذا تكون لدينا شعور بأن الشكاوى لا تجدي نفعا؟ ولماذا اخترنا طرقا أكثر علنية لإصلاح الخلل؟
أسئلة كثيرة تدور في فلك جودة الخدمة ورضا العميل، يدعمها عدم وجود مرجعيات مدنية تدافع عن حقوق العملاء وفي الوقت نفسه تساعد مقدمي الخدمة على تلافي الأخطاء والبعد عن الفضائح الإعلامية في التعاطي مع القضايا؛ فمؤسسات المجتمع المدني قد تكون جزءا من الحل، ومع الأسف فإن الحديث عن حماية المستهلك حديث مبتور، لأسباب هيكلية في ذلك القطاع ولأسباب قانونية من ناحية الوجود والمرجعية، وأصبح يركز فقط على القضايا التي تطفو على السطح الإعلامي، وأحيانا على ما يصلها وتعطي بحسب قدرتها وإمكاناتها، إضافة إلى غياب القدرة على التحقق من مصداقية الشكوى وإمكانية استنتاج الحقيقة، فلا يضيع حق صاحب الشكوى ولا يظلم مقدم الخدمة. وعلى الجانب الآخر، اختفاء الأبعاد والتأثيرات الحقيقية لضعف الخدمة على مقدميها، فلا توجد عقوبات واضحة لمقدمي الخدمة الحكومية، ولا توجد مخاطر اقتصادية حقيقية على مقدمي الخدمة من القطاع الخاص. والسبب للقطاع الحكومي معروف وغير معروف بسبب طبيعة التركيبة الحكومية على مستوى الحجم والأداء، وللثاني أسباب كثيرة منها الاحتكار والفساد وتضارب المصالح والقائمة تطول.
في النهاية، فإن الحاجة إلى تكامل بين ارتفاع ثقافة المستهلك أو متلقي الخدمة يجب أن يقابل بحلول واقعية من مقدمي الخدمة، إضافة إلى وجود مرجعيات مدنية تسهم في ردم الفجوة بين جميع الأطراف، وبخلاف ذلك فإن الدوامة ستستمر، وآثارها الاقتصادية والاجتماعية ستزيد.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي