مرحبا 2012 .. ديون وعجوزات وطريق مسدود

مرحبا 2012 .. ديون وعجوزات وطريق مسدود
مرحبا 2012 .. ديون وعجوزات وطريق مسدود

تشهد نهاية عام 2012 تداخلاً هو الوحيد على مدى 20 عاماً، بين انتخابات رئاسية في الولايات المتحدة وانتقالا للقيادة في الصين. فرنسا كذلك ستختار رئيسها في ربيع العام المقبل، وتختار ألمانيا مستشارها في أواخر عام 2013. ومن سوء الحظ أن ضغوط السنة الانتخابية تهدد بتعقيد ديناميكية السياسات الصعبة للغاية، وغير القابلة للتوقع بالفعل، لا سيما في وقت تتحول فيه الأزمة الأوروبية من سيئ إلى أسوأ.
وربما تنذر مجموعة متوقعة من الانتخابات في الظروف العادية، بدورة ميزانية سياسية تقليدية. وانطلاقاً من قلقها بخصوص إرضاء دوائرها الانتخابية، تخفض الحكومات الضرائب وتزيد التحويلات وتعزز الإنفاق على المشاريع الأكثر وضوحاً. ويتم تمويل سخائها ليس فقط من خلال عجوزات أكبر، ولكن كذلك بواسطة تأجيل النفقات الأقل فورية من حيث وضوحها، وكذلك بالميزانية الحكومية المثقلة بضمانات القروض خارج الميزانية، وغير ذلك من الآليات غير الشفافة. وفي أوقات سابقة، ولا سيما قبل ظهور استقلال البنوك المركزية، كان من المتوقع إحداث تخفيضات على أسعار الفائدة في السنة الانتخابية. ويمكن أن يوقت البنك المركزي الحافز المالي لإحداث أكبر تأثير ممكن على الإنتاج والتشغيل قبل الانتخابات، على أمل أن يأتي التأثير الرئيسي على التضخم في وقت لاحق.

#2#

ويمكن أن يكون الرئيس الأمريكي الراحل، ريتشارد نيكسون، بطل جميع الأزمات لدى باحثي دورة الميزانية السياسية. ففي حملة إعادة انتخابه عام 1972، التي اشتهرت بفضيحة ووترجيت، لم يترك نيكسون حجراً إلا قلبه، حين تعلق الأمر بتعزيز التحويلات والإنفاق والنمو. فقد ضاعف مزايا الضمان وضغط على رئيس الاحتياطي الفيدرالي، آرثر بيرنز، لإحداث زيادة كبرى في عرض النقود. والحقيقة أن كثيراً من أساتذة السياسة النقدية يرون أن الزيادة التي أحدثها بيرنز على عرض النقود قبل الانتخابات بنسبة 20 في المائة، هي المجرم الحقيقي الذي تسبب في تضخم السبعينيات، وليس زيادة أسعار النفط من جانب أوبك، كما يفترض على نطاق واسع.
اليوم القصة مختلفة. فالعالم ما زال منشغلا بشدة بتداعيات الأزمة المالية التي أطلقنا عليها، كارمن راينهارت وأنا ''الانكماش العظيم الثاني''. فقد جعلت طقوس الإنفاق والعجوزات التي أعقبت الأزمة المالية، الجمهور والمستثمرين أكثر قلقاً من حدوث مزيد من الخسائر والديون. والأهم من ذلك، أن الفترة المطولة من النمو البطيء أضعفت حكومات لدى القليل منها نوع الأغلبية المطلوبة للدخول في دورة ميزانية سياسية على طريقة نيكسون، حتى لو كان ذلك الأمر مرغوباً فيه. وكما تبين من النقاش المرير الذي جرى هذا الصيف حول رفع سقف الدين الأمريكي، إضافة إلى صراع أوروبا المستمر مع حالات العجز لدى دول منطقة اليورو الطرفية، فإن سياسة الاقتصاد الكلي أقرب إلى أن تكون مشلولة منها إلى أنها محل للتلاعب.
في الظروف العادية يمكن تفسير أي ديناميكية تغلق دورة النشاط العملي السياسي على أنها أمر إيجابي للاستقرار والنمو في المدى البعيد. لكن مخاطر الشلل الناجم عن الخلافات السياسية بين الحزبين في مواجهة انهيار محتمل لليورو تعتبر مسألة أخرى. وتخيل، مثلا، أن ينهار النمو الأمريكي بدرجة حادة للغاية، بحيث تجد شركة مالية كبرى نفسها، مرة أخرى، على شفير الإفلاس. فهل تستطيع وزارة الخزانة والاحتياطي الفيدرالي أن يمنعا في الوقت المناسب، حدوث هلع على نطاق واسع وانهيار للنظام ككل؟ ربما يستطيعان، لكن شلل ما قبل الانتخابات يمكن أن يجعل المهمة أصعب حتى مما كانت عليه عام 2008، ولا سيما بفضل تشريع دود – فرانك الذي استهدف منع عمليات الإنقاذ.
هناك افتراض بأن لدى الصين الإرادة والوسائل كي ترد بقوة على أي أزمة مالية عالمية، مثلما فعلت عام 2008. وبعد أن رفع بنكها المركزي المتطلبات الاحتياطية إلى أكثر من 21 في المائة على أكبر مؤسساتها المالية، بات لديه مجال واسع لتخفيف السياسة النقدية. لكن حتى في الصين من الممكن أن يصبح المدى والتوقيت معقدين بسبب الرقصة الدقيقة بين حكومة منتهية الولاية وحريصة على أن تنهي عملها على نحو جيد، وإدارة مقبلة يمكن أن تريد دفعة مقدمة تتمثل في إعادة توازن الطلب، وهو أمر تبرز الحاجة إليه بشدة.
من المفروض نظرياً أن تكون البنوك المركزية محصنة نسبياً ضد آثار الانتخابات. لكن في الواقع، استقلال البنك المركزي له حدود. فقد أصبح الاحتياطي الفيدرالي بالفعل تحت ضغوط سياسية شديدة من قبل الجمهوريين القلقين من مزيد من إجراءات تخفيف السياسة النقدية. وبإمكانه مقاومة مثل هذه الضغوط، لكنه لا يستطيع منع حدوثها. ففي النهاية الكونجرس هو الذي يسيطر على تفويض الاحتياطي الفيدرالي، الرئيس يسيطر على تعيين محافظيه. وفي ظل انحرافات المخاطر الشديدة التي تواجه الاقتصاد في الوقت الراهن، من السخف المبالغة في القلق بخصوص التضخم المصحوب بالركود بالصورة التي شهدتها السبعينيات، على الرغم من أن بعضهم مستمر في ذلك. كذلك المخاطر من عقد ضائع، كما حدث في اليابان، أو حتى حدوث ركود عظيم ثان، أبعد من أن تكون وشيكة. وتوجد تحت تصرف الاحتياطي الفيدرالي أدوات محدودة للغاية، ومع ذلك ما زالت ضغوط ما قبل الانتخابات تستنزف حتى ما يتوافر لديه من أدوات.
بصورة مشابهة، حقيقة أن البنك المركزي الأوروبي لم يخفض بالفعل أسعار الفائدة إلى صفر تعكس مزيدا من الحاجة إلى المحافظة على مظهر من الاستقلال، بدلاً من حساب حكيم لميزان المخاطر. وإذا تفككت منطقة اليورو في نهاية الأمر، فهل يهتم أحد خلال الفترة القصيرة من حياة اليورو، بأن توقعات التضخم ظلت راسية بقوة في حدود 2 في المائة؟
يتعين على الولايات المتحدة وأوروبا والصين اتخاذ قرارات كبرى حول كيفية تشكيل اقتصاداتها ومجتمعاتها في المستقبل. وإذا برز الزعماء الحاليون، أو القادمون من الانتخابات المقبلة، بتفويض جديد، فربما نشهد ذلك النوع من الإصلاح الهيكلي الذي يساعد النمو والاستقرار في الأجل الأطول. لكن إذا أدت الانتخابات المنتظرة إلى مفاقمة الشلل فيما يخص القرارات السياسية الصعبة، فإن ذلك سيوجد إمكانية كبرى لحدوث حالة من التضخيم في أسوأ وقت ممكن. وحتى وفقاً لأفضل سيناريو، فإن عام 2012 يعِدْ بأن يكون عاماً تدفعه التقلبات التي تحركها الأمور السياسية أكثر مما فعلت في 2011.

الكاتب أستاذ للاقتصاد في جامعة هارفارد، ومؤلف ''الأمر مختلف هذه المرة'' This Time is Different بالاشتراك مع كارمن راينهارت.

الأكثر قراءة