الأرض والإسكان .. لن ينتهي الحديث!

■ صندوق النقد الدولي دعانا إلى اعتماد تدابير تكفل تحريك العرض الساكن للأراضي البيضاء، والدعوة هنا لأجل المساهمة في حل مشكلة الإسكان. هذه الدعوة أرجو أن (نحتفي) بها، لأننا لسنوات طويلة تعودنا أن نهتم كثيرا بملاحظات الصندوق وتقييماته للاقتصاد الوطني وللقطاع المالي، والصندوق محق في ضرورة رفع مستوى المعروض من الأراضي لأجل تخفيف تكلفة الإسكان، على الدولة، وعلى المواطن.
لا أحد يختلف مع الرأي الذي يقول إن الارتفاع الكبير لأسعار الأراضي السكنية وصل إلى معدلات لن يحلم أبناء الطبقة الوسطى بالوصول إليها بسهولة، وفي الأمس تلقيت رسالة من أحد الموظفين الذي كنت أحاول مساعدته منذ سنوات ليجد مسكنا، يقول فيها: "أبشرك وافق البنك على قرض الأرض". وقيمة الأرض التي يتحدث عنها هي (500 ألف ريال) وسوف يدفع عليها تمويلاً يتجاوز نصف هذا المبلغ، وهذا الأب لستة أطفال ويعيش في شقة من ثلاث غرف وبراتب (12000) ريال .. كيف سيعيش بالمبلغ الباقي، وهو الآن يسعى إلى البدء في مشوار البناء .. كم عام سوف يمضيها لكي يصل إلى حلمه!! وأي استقرار اجتماعي ونفسي ينتظره، وكيف سيكون تعريف أو مفهوم الأرض لدى أبنائه الذين سيكبرون في شقتهم الصغيرة!
تحريك المعروض من الأراضي لن يتحقق إلا باتخاذ تدابير رئيسية، وفي مقدمتها مراجعة الطريقة التي تفسح بها المخططات السكنية، والتأخر الآن يقدم على أنه أحد الأسباب الرئيسية لارتفاع الأسعار حيث يساهم في قلة العرض، وهذا السبب تم تداوله كثيراً في الفترة الماضية .. وثمة إجماع عليه، فهل المشكلة فنية موضوعية تبرر التأخر الذي قد يصل إلى خمس سنوات أو أكثر، أين المشكلة؟، هناك مَن يسأل.
هناك اقتراح يقدم كثيراً لأجل تحريك عروض الأراضي السكنية وهو ضرورة تبني فرض (رسوم) على الأراضي المجمدة لأجل الاستثمار، ورغم أن هناك مَن يتحفظ على هذا الاقتراح بدعوى أن الرسوم سوف يرحلها التجار إلى المستهلك وربما ترفع الأسعار. طبعاً هناك من يخالف هذا ويرى أن الهدف من الرسوم هو إيجاد الحافز لتحريك رؤوس الأموال الوطنية المجمدة في العقار، فالمستثمرون سوف يتحولون إلى مجالات جديدة بدل إبقاء الأرض لفترة طويلة حتى يرتفع سعرها.
ثمة إشكالية أخرى قد تقلل المعروض. المراقبون للسوق العقاري يقدرون أن الأسعار سوف تتماسك من قلة المعروض من الأراضي السكنية بسبب توافر فرص التمويل الرخيص الذي استفاد منه أصحاب الملاءات الاستثمارية الكبيرة، فهؤلاء يحصلون على تمويل من القطاع البنكي ثم يوجهون القروض إلى الاستثمارات في القطاع العقاري، وقد يكون هذا إيجابيا إذا توجه لقطاع الإسكان.
ولكن ثمة مشكلة أشار إليها تقرير صندوق النقد وهي عدم كفاية التمويل العقاري طويل المدى بالذات من البنوك بسبب إشكالية الضمانات والخوف من العجز المالي الذي قد يقع فيه المقترضون.
طبعاً هذه مشكلة وحلها يدخل في سياق قضايا الإسكان الرئيسية ولا يمكن لجهة أو قطاع أن يجد الحل منفرداً، القضية متعددة الأطراف، وبما أن الأرض أصبحت المدخل الرئيسي لحل المشكلة .. لذا تصبح الدولة هي في الواجهة الآن أمام الناس، فتحريك الأراضي الساكنة بيد الدولة وحدها، بيدها تسريع فسح المخططات السكنية، وبيدها إيجاد الضمانات للقطاع البنكي، وبيدها إنهاء وضع المخططات السكنية الكبيرة المجمدة منذ سنوات بسبب النزاعات القانونية أو بسبب اعتبارات حكومية خاصة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي