الأتراك يطرحون رؤية استراتيجية شاملة لصناعة المصرفية الإسلامية

الأتراك يطرحون رؤية استراتيجية شاملة لصناعة المصرفية الإسلامية

استقطبت تركيا أخيرا عددا كبيرا من المؤسسات المالية الإسلامية، فقد بلغت حتى الآن سبعة بنوك إسلامية بعد أن كانت خمسة بنوك في عام 2009، حيث تبلغ فروع هذه البنوك 560 إلى 650 فرعا، ويعمل فيها أكثر من 15 ألف موظف، وبلغت أرباحها في هذا العام 470 مليون دولار، ويتوقع مضاعفتها في السنوات المقبلة، وتسمى البنوك الإسلامية في تركيا ببنوك المشاركة، ومن التوقع لها أن تستحوذ على ما نسبته 15 في المائة من إجمالي الأصول البنكية التركية حتى بداية عام 2015. إلا أن تركيا تنظر للمسألة من زاوية أكبر، وترى أنه من المعيب على دول العالم الإسلامي ذات الاقتصاد العالمي الأقوى أن يكون فيها أكبر عدد من الفقراء، وأن تستحوذ على نسبة عالية من التخلف والفساد المالي والإداري، وأكد رفعت يسار أوغلو رئيس اتحاد الغرف والتبادل السلعي والتجاري التركي هذه الرؤية في العديد من مؤتمرات المصرفية الإسلامية، منتقدا إياها بأنها صناعة ما زالت ذات نظرة قصيرة ولم تدخل في الإطار الاستراتيجي، وقال أوغلو إنه وبالإسقاط على التحول الاقتصادي الكبير الذي تعيشه تركيا، فإن الحضور والتأثير الخارجي يحتاج إلى صناعة قوية قادرة على إثبات نفسها والمنافسة أيضا، وتعظيم فرص العمل المجزي، وأكد أوغلو أن الفساد المالي يحبط التخطيط الاستراتيجي، ويحد من التطلعات البعيدة، ويهمش جوانب الشفافية، ويحد من عمليات التوظيف الأمثل للموارد المالية والبشرية. وقال أوغلو إن الثورات والاحتجاجات العربية سببها تقييد إرادة الشباب، وانعدام فرص العمل المتاحة، والفساد والمحسوبية، وكل هذه المعطيات تؤثر في قدرة أي مؤسسة على الانطلاق، وقال: إن العالم تغير بقوة وبسرعة كبيرة، وإن هذا التغير أصاب المفاهيم السابقة وضربها في الصميم لمصلحة القيم القانونية والمؤسسية وقيم الحقوق، وقيم الاستثمار الحقيقي، ولهذا فعندما يطالب الشباب بمحاكمة رئيس مثل الرئيس المصري هم يحاكمون الفساد الذي انتشر، وعندما يطالبون بدولة قانون ومؤسسات ودستور وانتخابات برلمانية نزيهة يضعون حدودا لهذا الفساد الذي انتشر، فمنذ عام 2009 والعالم يعمل وفقا لنظرية جديدة حيوية وفاعلة وغير محدودة، لكنها واضحة. وأشار أوغلو إلى أن هذه النظرية ستسهم في تعزيز التبادل التجاري والاستثماري بين الدول والمجتمعات الإسلامية وستقلص هامش الاختلاف والخلاف بينها، مؤكدا أن العالم فشل في معالجة تداعيات الأزمة المالية العالمية رغم الحقن المالية الكبيرة لأن العلة الرئيسة تكمن في الفائدة المرتفعة وفي القروض. وأوضح أوغلو بمرارة أنك عندما تنظر للعالم الإسلامي وبحسب الأرقام العالمية تجد أن عدد الدول النامية 48 دولة منها 22 دولة إسلامية، هذا على الرغم من أن الدول الإسلامية تمثل نحو 22.5 في المائة من سكان العالم، وهذا يدل على ضعف الاقتصاد والاستثمار في تلك الدول وأن مساهمة الدول الإسلامية في الناتج المحلي الإجمالي العالمي لا تزيد على 7.5 في المائة، وأن إنتاج 57 دولة إسلامية لا يمثل حجم إنتاج دولة مثل ألمانيا أو اليابان، كما أن توزيع الدخل بين الدول الإسلامية فيه فجوة كبيرة، حيث تظهر الإحصاءات أن فرق الدخل بين أعلى دولة إسلامية وأقل دولة يبلغ 220 ضعفا، وهذا يشير إلى الخلل الكبير في اقتصادات تلك الدول وتوزيع الاستثمارات. ودعا أوغلو إلى المزيد من الإنتاجية بين الدول الإسلامية وزيادة حجم التجارة وإزالة الحواجز التجارية والاستثمارية بين تلك الدول، مشيرا إلى أن الموارد الطبيعية فقط لا تكفي لتحقيق الرفاهية التي تأتي من خلال زيادة الناتج المحلي الإجمالي وتحريك عجلة الاقتصاد بتشجيع التبادل التجاري الخارجي والاستثمار وفتح المجال أمام القطاع الخاص بين دول الإسلامية، مؤكدا أنه يجب ألا تكون هناك خشية من الاستثمار الأجنبي، مؤكدا أن نجاح التجرية التركية في النهوض باقتصادها وتقليل نسب البطالة بين مواطنيها، التي تساعد الدول الإسلامية الأخرى في النهوض باقتصادها. وقال أوغلو إن تركيا استطاعت تحقيق ما يوصف بالحلم الحقيقي من خلال النهوض بالواقع الاقتصادي والاستثماري، حيث بلغت صادرات تركيا في اليوم الواحد ثلاثة مليار دولار بينما كانت تبلغ في عام 1983 ما يقارب ثلاثة مليارات دولار للعام الواحد، في الوقت الذي بلغ فيه مجموع صادراتها خلال العام الماضي 115 مليار دولار. وأضاف أن هذا الإنجاز جاء نتيجة تشجيع الاستثمار وفتح المجال أمام القطاع الخاص وإزالة الحواجز المعيقة للاستثمار والتجارة، موضحا أن نجاح التجربة التركية جاء رغم قلة الموارد الطبيعية من النفط والغاز لكنها تمتلك الإرادة وروح المبادرة والاستثمار، مشددا على ضرورة إدخال وتفعيل مشاركة النساء في الأعمال والاستثمار، وتوسيع نطاق هذه التجرية لما له من مساهمة في تخفيف نسب الفقر. وضمن هذه الرؤية يؤكد دورميش يلماظ رئيس البنك المركزي التركي أن المؤسسات المالية الإسلامية في تركيا مندمجة في القطاع المصرفي التقليدي، وهي جزء لا يتجزأ من القطاع المالي في تركيا، مؤكداً حرص بلاده على تبادل الخبرات مع الدول الأخرى بهدف الاستفادة منها لتطوير عمل المصارف الإسلامية وتنويع خدماتها وتوسيع انتشارها في دول العالم. وأشار يلماظ إلى أنه رغم المصاعب التي أفرزتها الأزمة المالية العالمية فإن الصيرفة الإسلامية ازدادت انتشاراً بسبب الركائز والأسس القوية التي تستند إليها، ولا تزال قادرة على المنافسة ولعب دورا فاعلا في النظام المصرفي العالمي، حيث استطاعت جذب الكثير من الجهات العالمية للمشاركة في هذه التجربة المصرفية. وأكد ضرورة بذل المزيد من الجهود لزيادة معاملات رأس المال في المصارف الإسلامية والعمل على تطوير قاعدة الزبائن وتعزيز الإطار الرقابي في المؤسسات المالية الإسلامية لجهة إيجاد شبكة أمان ونظم تأمين جديدة. ويؤكد الأتراك أن النجاح الاقتصادي لحزب العدالة والتنمية أسهم في حضوره وتأثيره وقبوله في الأوساط التركية، فقد ارتفع دخل المواطن التركي من 600 دولار شهريا إلى 12 ألف دولار للطبقة الوسطى التركية، وهي طبقة قائدة، وانخفضت الديون التركية، وزادت صادرتها الخارجية لتصل إلى 300 مليار دولار وأكثر، ويعزو الأتراك هذا التحول في الاقتصاد إلى الرئيس التركي عبد الله غل مهندس الاقتصاد التركي كونه حاصلا على شهادة الدكتوراه في الاقتصاد الدولي ومتخصص في العلاقات الاقتصادية التركية مع العالم الإسلامي وكان خبيرا في بنك التنمية الإسلامي منذ عام 1983 إلى عام 1991، وهو مهندس مشروع حكومة حزب الرفاه المعروف بـ ''مجموعة الثمانية الاقتصادية الإسلامية ''G8.
إنشرها

أضف تعليق