Author

البحث عن شنيوي السعودي

|
مستشار اقتصادي
قرأت حديثاً عن الاقتصادي الهندي البروفيسور شنيوي الذي حصل على الدكتوراه في 1929 وتوفي في 1978 بعد أن ترك إرثا فكريا كبيرا. هذا المفكر تعلم في الهند وجامعة لندن للاقتصاد وعاصر حقبة الاستعمار والاختيارات الرئيسية في السياسة الاقتصادية بعد الاستقلال. كانت هناك ثلاثة خيارات؛ الأول ما نادى به غاندي من اقتصاديات القرية التكاملية، والثاني ما سمي لاحقاً بمدرسة بومباي (العاصمة الاقتصادية للهند) الذي نادى بدور كبير للحكومة، خاصة في البنية التحتية مع إعطاء القطاع الخاص دورا مؤثرا، وثالثاً مدرسة نهرو الذي دعا إلى سياسة اشتراكية ولو أقل حدة من الاتحاد السوفياتي. أخذت الهند بالخيار الثالث بعد انتصار نهرو ومن ثم ابنته سياسياً. على أثر هذا الاختيار تخبطت الهند في الفساد الإداري والنقص في كثير من السلع والمنتجات وتزايد التهريب وهروب رأس المال. تخلفت الهند إلى أن أعادت التفكير على يد السيد مانهون سنج كوزير مالية في عام 1991 ومن ثم كرئيس للوزراء إلى اليوم. كان للبروفيسور شنيوي رأي آخر مخالف: سياسة التحرر الاقتصادي والتخصيص وتقليل دور الحكومة قدر الإمكان. لم يؤخذ برأيه إلا بعد وفاته وارتفاع التكاليف وضياع الفرص لإحداث نهضة مبكرة في الهند. يبدو أن الهند توصلت إلى مراجعة الخيار لسببين، أولهما هو مدى الفشل المتواصل، والآخر هو مجاراة لتجربة الصين التي أخذت بسياسة السوق التي بدأت بنجاح مع نهاية السبعينيات. يا ترى ما العلاقة بين البروفيسور شنيوي وتجربة المملكة؟ هناك ملاحظتان، الأولى هي مدى الحاجة إلى مراجعة فكرية من آن لآخر، إذ لا يمكن لأي سياسة اقتصادية أن تكون صالحة لكل زمان ومكان، خاصة في ظل عيوب هيكلية واضحة، والأخرى محاولة لقراءة تجربة المملكة في تلك المرحلة التاريخية (عسى أن نتفادى الإسقاط التنظيري والتاريخي). يبدو أن المملكة تقريباً في نفس المرحلة (السبعينيات) أخذت بسياسة اقتصادية أقرب إلى مدرسة بومباي، مع فرق أن عوائد النفط ساهمت بوضوح في صبغة حكومية أدت إلى اتكالية دون بعد فكري أو أيديولوجي ولكن النتيجة العملية واحدة: تشوهات وعيوب هيكلية متواصلة في منظومة الدعم الحكومي للطاقة والقوى العاملة والعقار، وابتعاد تدريجي عن قوى السوق والمنافسة الصحية. حالياً تستعد الهند لموجة أخرى من التحرير الاقتصادي والمنافسة، بينما نحن أخذنا بجرعات أخرى نحو دور الحكومة المتعاظم في الإدارة الاقتصادية.. أين أنت يا شنيوي السعودي؟ ما الحل؟ حديثاً تم التطرق إلى تسعير الألبان ومشتقاتها والأسمنت ونظام نطاقات والزكاة ودعم بعض السلع مثل الشعير. كل هذه أعراض وجزئيات في سياسة اقتصادية منقوصة وبدأت تصدم بالحاجة إلى تغيير في الفكر والسياسة الاقتصادية مفهوماً وممارسةً. الحل يبدأ بإعادة التفكير الاقتصادي إلى منظومة القرار الاستراتيجي في المملكة والبحث عن شنيوي سعودي يستطيع أن يجمع ويتعامل مع كل هذه الأعراض من خلال تشخيص العلة الرئيسية ويحدد الأطر الفكرية والحلول العملية. يا ترى هل بدأنا البحث عن شنيوي السعودي؟!
إنشرها