المعالجة الحقيقية للبطالة

لفت نظري موقف نبهني لأبعاد أكبر من الموقف نفسه.. هذا الموقف حصل مع قريب لي عندما انضم إلى حملات التوظيف التي تقيمها وزارة العمل، وبعد التسجيل والمتابعة تم التنسيق في توظيفه لدى إحدى المؤسسات الوطنية ليتقاضى راتبا متدنياً 700 ريال شهريا، بينما لو استمر عاطلا فأنا أعلم أن أباه سيعطيه يوميا 50 ريالا، أي 1500 ريال شهريا، أكثر من راتب الوظيفة، وطبعا كلا المصدرين يحثان على الكسل واللاإنتاج.
تفكرت في الأمر وتذكرت في المقابل أحد أصدقائي الذي ترك العمل في القطاع الحكومي ليعمل لدى إحدى الشركات الوطنية بعد أن عرضت عليه كل المزايا كي ينضم إلى الشركة، إضافة إلى أن بعض أصدقائي يعملون في القطاع الخاص ويتقاضون رواتب تفوق راتب وزير.. لكن ما العامل المشترك بين هذه القصص؟ إنه العمل والجهد والعطاء والإنتاج الذي تقابله رواتب عالية مغرية تحاول الإبقاء على الموظف.
إذن المشكلة مركبة، لأن المتقدم للوظيفة يعتقد أن الوظيفة حل أوجدته وزارة العمل لتوظيفه، وبالتالي تصبح الوظيفة هي التي تضيف إليه قيمة. وصاحب العمل يعتقد أن الوزارة تفرض عليه السعوديين دون فائدة مرجوة.
أعتقد أن الحلول الحالية وطبقة الوظائف المقترحة حاليا بمعدلات المرتبات المقترحة ليست بحلول، إنما هي إبر بنج للمجتمع، كما أن الوظائف التي تتباهى وزارة العمل بسعودتها مثل (حلاق- عامل مطعم- طباخ..) مع احترامي لهذه الوظائف، هي وظائف يشغلها مهاجرون حتى في البلدان الغربية.
إن بداية الحل لتوطين الوظائف يكمن في إحلال مواطنين ومواطنات في وظائف الطبقة الوسطى التي تتطلب لها الشهادة الجامعية كحد أدنى على أن يتم اختيار السعودي المؤهل المطلوب للوظيفة وليس الطالب لها.
لو نظرنا في فئات الوافدين العاملين في المجتمع نجد نسبة كبيرة ممن يعملون في الشركات بأسماء مختلفة ليست تخصصية وليست بسيطة. على سبيل المثال لا الحصر: سكرتير، مندوب مبيعات، مدير فني، كاتب، محاسب، موظف استقبال، مأمور سنترال، مسوق.. إلخ.
هذه الطبقة من الوظائف أجزم أن من يشغلونها يتجاوزون المليون، علما أن البطالة لدينا لم تصل إلى نصف هذا الرقم.
لا أعتقد أن الحل مجرد استبدال الوافدين بمواطنين، فهذا لن يسرع عملية التنمية، ولن يصنع الأجيال الفاعلة، لكن الحل في خلق المنافسة الشريفة بين الشباب السعودي للوصول إلى الشباب النشيطين المتعلمين الذين يسعى أصحاب الشركات والمؤسسات إلى طلبهم حتى إن زادت تكاليف توظيفهم على الوافدين، لأن المؤسسات تعلم أن في توظيفهم قيمة إضافية للمنشأة لم يكونوا ليحصلوا عليها مع الموظفين الوافدين.
أعتقد أن بداية الحل هو في تغيير هذه النظرة الوظيفية الخاطئة لدى الشباب والشابات والمجتمع، وصنع الموظف السعودي المتميز الذي تطلبه الشركات، ويكمن في:
أولا: تقنين الوظائف في القطاع الخاص، بحيث إن أي شركة لا يمكن أن توظف أي إنسان إلا على وظيفة مقننة مصنفة في أنظمة وزارة العمل على غرار تصنيف الوظائف الحكومية.
ثانيا: التدريب العملي المتخصص الشاق الذي يصل بالمتدرب إلى المعرفة التطبيقية لما سيقوم به مستقبلا وبعد تجاوز اختبارات فعلية لهذا التدريب. أما ما يسمى التدريب الآن في معظم المراكز فهي دورات تعريفية، أو جولات معرفية هي في مجملها ثقافة عامة يجب على الكل معرفتها.
ثالثا: إلزام كل جهات العمل في القطاع الخاص بلا استثناء بتطبيق التصنيف والتوصيف الوظيفي المهني السعودي.
رابعا: إلزام كل جهات العمل في القطاع الخاص بتوثيق إجراءات العمل للوظائف التي لديها (بمعنى إعداد تقارير تصف كيف يؤدي الموظف وظيفته بخطوات محددة).
خامسا: يجب أن تعد معايير جديدة للعمل تقاس بوحدات يمكن قياسها، سواء من قبل الموظف نفسه أو صاحب الجهة أو الجهة الرقابية.
سادسا: أن يقوم فريق عمل من وزارة العمل بتقييم أداء العمل لأحسن ثلاثة آلاف موظف بعد تعبئتها من قبل الشركات نفسها، وتراقب من قبل مشرفين، ويراقب المشرفون أنفسهم دوريا، ويقوم فريق العمل هذا باختيار الموظفين الذين تفوقوا بعطائهم وجهدهم.
سابعا: تقوم الوزارة بصرف راتبين إضافيين لكل موظف يثبت عطاءه المبدع ليتقاضاها مرة في السنة، إضافة إلى راتبه من الشركة.
ثامنا: يجب أن تضع الوزارة المعايير التي تستطيع بها أن تكافئ العاملين عملا مبدعاً برواتب مجزية، وأيضا المعايير التي يتم بها الخصم من رواتب الموظفين الكسالى أو غير المنضبطين ولا يتحملون المسؤولية.
والقصد من هذه النقاط خلق روح العمل الجاد والمبدع، ولا أعتقد أن الحل في إيجاد وظائف للعاطلين، عندها ستتغير مفاهيم المجتمع نحو العمل، وسيجد أصحاب العمل أن تشغيل المواطن الكفء أيسر عليه من تشغيل الوافد الكفء وأجدى. كما أن الموظف المواطن سيكون في خيار إما تقديم العمل المبدع أو سيسهل الاستغناء عنه وتشغيل من هو أكفأ منه من المواطنين.. عندها ستجد الوزارة أنها حققت ثلاثة أمور أولا: تغيير نظرة المجتمع تجاه العمل، ثانيا: تطور الأعمال في البلد، وثالثا: تقليص البطالة في البلد.
وأختم حديثي أنه لن يكون هناك دافع للعمل الشاق إلا المال، فلو أوجدت الوزارة الآلية الصحيحة لزيادة رواتب الموظفين المجتهدين المبدعين، فستكون بداية تميزنا وبداية الإنتاج.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي