مركز وطني لاستعادة البيانات الرقمية

جدّ في حياة مجتمعنا استخدام الكمبيوتر بشكل مكثف، حتى أننا لا نجد جهة حكومية لا تستعين بأعمال الحاسب الآلي، وتبعا لذلك تراكمت المعلومات والبيانات في هذه الأجهزة بشكل ملحوظ مع مرور الوقت وكثرة الأعمال، وتعاملت الجهات الحكومية مع الكم الهائل من البيانات هذا بشكل متباين ومتمايز، إلا أن الجميع أدرك مع الوقت أنه يفقد كثيرا من هذه البيانات، وجدت حقول جديدة في مجال البيانات تعنى بفهرسة البيانات وأرشفتها وضغطها واسترجاعها.
واختلفت الآراء بين جيلين من المسؤولين، جيل رأى أن التقنية الحديثة مكلفة ومعقدة وزادت من احتياج الجهات إلى مزيد من التقنية بلا نهاية. وجيل جديد آخر رأى أن البيانات ومعلومات الجهة لا تقدر بثمن وهي أغلى من أي أجهزة. وتمثل هذه المعلومات سجلا تاريخيا ووطنيا للمنشأة، قد تتغير الأنظمة أو الأجهزة لكن هذه المعلومات لا تتغير، وأنا مع هذا الفريق ومن مؤيدي قيمة البيانات والمعلومات في كل منشأة حكومية.
في السابق كانت تحفظ الوثائق في ملفات داخل ما يدعى بالأرشيف، وما زال الأرشيف موجودا تقريبا في كل الجهات الحكومية، لكننا - كما ذكرت - في مرحلة انتقالية بين الحفظ الورقي والحفظ الرقمي. الحفظ الورقي مارسناه وبعض الجهات تحتفظ بوثائقها منذ 70 سنة، وعرف أغلبية الموظفين أهمية حفظ المستندات الورقية، لكن المشكلة في الحفظ الرقمي، فلم يستوعب جيل قديم إلى الآن أن المعلومات المتداولة عبر التقنية الحديثة هي المعلومات والبيانات السابقة نفسها. فنجد في أكثر من جهة حكومية أنها تفقد نظامها الإلكتروني الداخلي بالكامل أو يتم تغيير نظامها السابق دون اكتراث للبيانات والمعلومات السابقة. المشكلة لدى البعض في أنهم لا يقيمون إلا المعلومات التي يلمسونها ويحسونها في الأوراق فقط، وهنا ونحن نمر بمرحلة حرجة ستترك فجوة في تاريخ السجل المعلوماتي للجهات الحكومية.
لقد بدأت مدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية بخطوة جيدة عبر خدمة "حفظ"، وهي خطوة جيدة ضمن سلسلة خطوات الطريق الصحيح نحو الحفاظ على المعلومات الوطنية الشاملة، لكن الخدمة لم تشمل الجهات الحكومية وشبه الحكومية كافة، وتهتم بالمستفيدين الذين يملكون تطبيقات لحفظ وتمرير البيانات والمعلومات. في المقابل، يهتم برنامج "يسر" بالمعلومات الخاصة بالتعاملات الحكومية الإلكترونية ويغفل عن المعلومات الإلكترونية الأخرى في الجهات الحكومية.
من هنا، أرى لزاما في هذه المرحلة إنشاء مركز وطني لاستعادة البيانات الرقمية وحمايتها من الكوارث المعلوماتية، تكون مسؤولية هذا المركز تخصيص مساحات معينة من البايتات لكل جهة حكومية في المملكة، واستيراد المعلومات بطرق آلية من هذه الجهات الحكومية إلى مساحاتها المعنية وتصنيفها وتبويبها وضغطها ومزامنتها مع مركز آخر رديف في مدينة أخرى، يحوي هذا المركز أنظمة تخزين ضخمة وتطبيقات استرجاع لكل جهة معنية. ويشغل المركز شبكة اتصالات قوية مع هذه الجهات لتعمل بالتزامن في غير أوقات العمل الرسمي، لتسمح بنقل سلس للبيانات ودون إرهاق للأجهزة. كما ينبغي أن يحتوي المركز على خزائن ضخمة وآمنة للوسائط التي تجمع من الجهات كافة بعد تصنيفها وفرزها وتبويبها. ويضم كادرا من المؤهلين يتوزعون دوريا على الجهات الحكومية لينقلوا إجراءات حفظ المعلومات وطنيا، وقبل ذلك نشر ثقافة الحفاظ على سجل البيانات والمعلومات الوطنية من الضياع.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي