FINANCIAL TIMES

أولا لا تسبب أي ضرر .. ثم ابحث عن الحل

أولا لا تسبب أي ضرر .. ثم ابحث عن الحل

اللورد كينز الحقيقي كان محرراً لسلسلة من الكتب الإرشادية البسيطة حول الأفكار الاقتصادية خلال فترة ما بين الحربين العالميتين، وكانت لها مقدمة مشتركة محررة من قبل ''الأستاذ''. وفي معظم هذه الكتب كانت المقدمة تقول إن علم الاقتصاد ليس كتلة ثابتة من الأفكار، بل طريقة تفكير يجب أن يحاول القارئ تطبيقها على المشاكل. لكن في الإصدارات القليلة الأخيرة تغيرت المقدمة كثيرا. فقد أشار إلى أن علم الاقتصاد يمر بفترة من الاضطراب، تسببت - إلى أن تتم معالجتها - عمليا في تدمير القدرة على تطبيقه على السياسة الاقتصادية. وامتنع بتواضع عن القول من المسؤول عن هذا الاضطراب. من الواضح أننا نمر مجددا بالفترة نفسها. وليس على المرء سوى أن يقارن بين وجهات النظر المتباينة لأوتمار إيسينج، الذي كان حتى فترة قريبة المدير الاقتصادي للبنك المركزي الأوروبي، وكينيث روجوف، المؤلف المشارك لكتاب ''الأمر مختلف هذه المرة: ثمانية قرون من الحماقة المالية''، حول سياسات الإنقاذ لمنطقة اليورو. وفي مواجهة هذه الحيرة بين المحللين الراسخين بصورة أو بأخرى، ماذا يجب أن يفعل صانع السياسة المسكين؟ من غير المرجح أن تتم تسوية الحيرة الأكاديمية في الوقت المناسب للتعامل مع المشاكل الحالية، هذا إن تمت تسويتها أصلا. ومن الجيد أن يدعو أهل المال والاقتصاديون إلى ''قيادة''، لكن من الواضح جدا غياب الإجماع بينهم حول الكيفية التي يجب أن تكون عليها القيادة. كما أن التغيرات المفاجئة في التوقعات التي لا تزال متفائلة لبنك إنجلترا لا تلهم كثيرا من الثقة. أول نصيحة أقدمها هي النصيحة المعروفة في الطب: أولا لا تسبب أي ضرر. فمن البديهي أن البنوك المركزية في الدول الغربية ينبغي ألا ترفع أسعار الفائدة القصيرة الأجل أكثر مما هي عليه. وإن كان ممكنا، العودة بها ثانية إلى مستوى قريب من الصفر. إلا أن شبه تعهد مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي بالإبقاء على أسعار الفائدة على حالها حتى منتصف 2013 يبدو طريقة خرقاء لفعل هذا. هل يجب أن ينفذ مجلس الاحتياطي الفيدرالي أو بنك إنجلترا مزيدا من ''التسهيل الكمي''؟ وهل يستحق الأمر إثارة اضطراب الأسواق المالية التي لا تثق، وإن كان بشكل غير منطقي، بمثل هذه التدابير في ظل غياب أدلة واضحة لما حققته الدورات السابقة؟ والإجراء الأقل، ولكن الذي لا يزال مهما، هو أن ينهي الكونجرس الأمريكي ''احتكار منظمات التصنيف الإحصائي المعترف بها على الصعيد الوطني قبل أن تسهم في، أو تشعل فتيل أزمة مالية أخرى''، كما اقترح بيل ميلر، من ليغ ماسون كابيتال إنفستمنت. والأهم من ذلك هو أننا بحاجة إلى مزيد من القياس الكمي والتحليل لسوق المشتقات. وسيكون من المفيد جدا أن تأخذ الصين تدريجيا مكان أمريكا باعتبارها مستهلك الملاذ الأخير، إلا أن طريقة فعل ذلك ليست وعظ الدولة حول سعر صرف الرنمينبي، بل الإشارة إلى فرص زيادة الاستهلاك في الصين. إذا تم تحقيق ذلك ستتضح البقية. والحقيقة السلبية هي أنه ليس على السياسيين محاولة ضمان أي مستوى من أسعار الأسهم، أو حتى التعليق كثيرا على تحركاتها. فالبورصة كانت دائما وستظل خليطاً من تقييم الاستثمار والقمار المحض. ويتفق معظم المؤرخين على أن ما أدى إلى الكساد العظيم ليس انهيار ''وول ستريت'' عام 1929، بل الانهيار الذي أعقب ذلك للبنوك الأمريكية وبنك كريديتانشتالت النمساوي. وفيما وراء هذه التدابير الحكيمة وغيرها، علينا النظر في الأفكار غير التقليدية. مثلا، ينبغي التوقف عن تجاهل انهيار نمو المعروض النقدي في كل من الولايات المتحدة والمملكة المتحدة - على الرغم من أنني أتمنى أن يخبرنا أصحاب النظرية النقدية بدقة وإيجاز عن كيفية استعادة هذا النمو. ويستند أنموذج السياسة الاقتصادية في معظم الدول الرائدة على فكرة هدف التضخم المرتبط بالأسعار الاستهلاكية. والمساهمة في نمو الاقتصاد الحقيقي محصورة في التغيرات في سرعة تصحيح الانحرافات عن هذا الهدف؛ والعملية بأكملها تستغرق كثيرا من الساعات في تحليل ما إذا كانت هناك ''فجوة في الناتج'' ومقدار حجمها. ربما يتذكر بعض القراء أنني كنت دائما مشككا في أهداف التضخم، بناء على الحقيقة العملية الصرفة بأنه تم تحقيق أقرب نهج لاستقرار الأسعار تحت معيار الذهب، حين كانت الأسعار النهائية تختلف كثيرا من عام لآخر، لكن لم يكن هناك اتجاه محدد طويل الأجل في كلتا الحالتين. وفي كتاب بريندن براون الجديد بعنوان ''اللعنة العالمية لمجلس الاحتياطي الفيدرالي'' The Global Curse of the Federal Reserve (Palgrave Macmillan)، هناك تفسير للكيفية التي كان عليها ذلك. فالذهب لم يكن ''بقايا بربرية''، حيث كان يتم تخفيف فاعلية الانحرافات طويلة الأجل عن استقرار الأسعار بالتغيرات في وتيرة التنقيب عن الذهب وتعدينه. وهناك وجهة نظر ليست مألوفة بالقدر نفسه، وهي أنه حين يكون من الممكن أن ينخفض مستوى الأسعار أو يرتفع على أساس سنوي، فإن أسعار الفائدة الحقيقية السلبية التي ترغب البنوك المركزية اليوم كثيراً في تحقيقها، تحدث تلقائيا عندما يتم اعتبار الأسعار أقل من الاتجاه العام السائد. مثلا، تصبح أسعار الفائدة الاسمية البالغة 2 في المائة من الناحية العملية سعر فائدة حقيقية سلبية بنسبة 3 في المائة في العام الذي يتوقع فيه أن تنتعش الأسعار بنسبة 5 في المائة. هذا شيء يستحق التفكير فيه حتى لو كان المرء لا يتفق مع اعتقاد المؤلف بأنه يمكن تحقيق معيار الذهب البديل من خلال متطلبات إلزامية للقاعدة النقدية. وفي معيار الذهب الأصلي كان يتم تنظيم القاعدة النقدية بضرورة وقف تدفق الذهب للخارج بدلا من المتطلبات التشريعية. لكن حتى الاقتراح الذي يعاني عيوبا، أفضل من الدعوات الفارغة للقيادة.
إنشرها

أضف تعليق

المزيد من FINANCIAL TIMES