Author

نيل الأماني بحُسن الظن والرجاء مع الخوف

|
تُنال الأماني بحُسن الظن بالله، كقاعدة، والرجاء المصحوب بالعمل والاجتهاد، مع الخوف كأعلى مراتب التقوى .. فحُسن الظن والرجاء، متلازمان، لا يحققان المقصود منهما إلا بالعمل، والصبر، والأخذ بالأسباب، يرافقهما خوف مُعِينٌ على تحقيق الطاعات، حاثّ على الرجاء: أن يُحقّق الله الأسباب الموصلة للأهداف، وصرف ما يعرِّضها للإحباط. ونيل الأماني يستلزم من المسلم ثلاثة أمور: الأول: رغبته الجامحة لتحقيق ما يطلبه، والثاني: أن يخاف الفشل، فيُكثر من الرجاء على قاعدة حُسن الظن، والثالث: سعيه في ذلك بحسب الإمكان، ولنا في رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قدوة، إذ يعلمنا أنه: "من خاف أدلج ومن أدلج بلغ المنزل" (الترمذي)، أي من خاف الفشل، اجتهد وأسرع الخطى نحو النجاح بقوة ونشاط، فأدلج، أي حقق ما يسعى إليه، وبقي مستقيماً متابعاً ولم يرجع القهقرى. فلو أن رجلاً كانت له أرض تعود عليه برزق، فأهملها محسناً الظن بالله راجياً ما عنده من رزق، ولكن دون أن يتعهدها بحرث ولا بذر ولا سقي .. أو أحسن ظنه، وقوي رجاؤه، بأنه يجيئه ولد من غير جماع، لعده الناس سفيهاً، كذلك لو أحسن ظنه، وقوي رجاؤه، في الفوز بالدرجات العلا في الجنة، من غير طاعة ولا تقرّب إلى الله تعالى، لما وفق لذلك .. والله يقول: (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَ ئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَتَ اللَّهِ)، فالرجاء، في هذه الآية، جاء بعد إتيان المؤمنين بالطاعات. ولكن، الرجاء المقرون بالعمل، على قاعدة حُسن الظن بالله، يجب أن يلازمه خوف، كما جاء في حديث الرسول – صلى الله عليه وسلم – أعلاه، كسمة ملازمة للصالحين، في سعيهم لتحقيق أعمالهم الصالحة، أي أن يعمل الإنسان ويسعى لتحقيق منافعه مُحسناً الظن بربه، ورجاء القبول والتوفيق، وقلبه وجل خائف من أن لا يُقبل منه، أو أن لا يوفق للأسباب. وليس المقصود بالخوف هنا، المعنى السلبي المتعارف عليه، أو اليأس والقنوط .. لا! بل، الخوف هنا صفة للمؤمنين، لجمعهم الإحسان، أي الإيمان والعمل والرجاء، والشفقة، أي الخوف من الله، وهذا الخوف يميّزهم عن المنافقين، الذين جمعوا الإساءة مع الأمن .. فالخوف هنا يعني المسارعة إلى فعل الخيرات دون مراء أو نقص. وعلى هذا سار الصحابة – رضوان الله عليهم – فكانوا السبَّاقين في حُسن الظن بالله، ولكن كانت قلوبهم وجلة، في غاية الخوف، وهم يعملون ويجدّون في طاعة الله، في أمور الدنيا وأمور الآخرة، كما في قوله تعالى: (وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ)، فعن عائشة - رضي الله عنها – قالت: سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ هَذِهِ الْآيَةِ: أَهُمْ الَّذِينَ يَشْرَبُونَ الْخَمْرَ وَيَسْرِقُونَ؟ قَالَ: "لَا يَا بِنْتَ الصِّدِّيقِ وَلَكِنَّهُمْ الَّذِينَ يَصُومُونَ وَيُصَلُّونَ وَيَتَصَدَّقُونَ وَهُمْ يَخَافُونَ أَنْ لَا يُقْبَلَ مِنْهُمْ، أُولَئِكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ". فالخوف عنى للصحابة – رضوان الله عليهم: "أن يكونوا قد قصروا في القيام بشروط الإعطاء (البذل)، وهذا من باب الإشفاق والاحتياط" (ابن كثير)، فيسارعون لفعل الخيرات، وهم "يعلمون أنهم صائرون إلى الموت، وهي من المبشرات"، كما يقول الطبري في تفسيره، وأن أفعالهم لا تنجيهم من عذاب الله، بل يرجون رحمته. إذاً، نيل الأماني يكون بالرجاء المقرون بالعمل على قاعدة حُسن الظن بالله، في إطار الخوف من الله كشرط للتقوى .. وأن نكون على يقين بأن الله – سبحانه وتعالى – لا يجمع على مؤمن خوفين ولا أمنين، فيكون الخوف هنا طريقاً آمناً للآخرة، كما جاء في الحديث القدسي: "وَعِزَّتِي لاَ أجْمَعُ عَلَى عَبْدِي خَوْفَيْنِ، وَلاَ أجْمَعُ لَهُ أمْنَيْنِ، إِذَا أمِنَنِي فِي الدُّنْيَا أخَفْتُهُ يَوْمَ القِيَامَةِ، وَإِذَا خَافَنِي فِي الدُّنْيَا أمَّنْتُهُ يَوْمَ القِيَامَةِ" (ابن حبان) فلنبادر إلى وضع "خطة عمل" لنيل ما نتمناه، يكون حُسن الظن قاعدتها، والرجاء المصحوب بالعمل والجد والاجتهاد والأخذ بالأسباب عناوينها، والخوف إطار حاثّ يهذبها، فيبعد عنها "الأنا" و"الآخر"، و"الحول" و"القوة" إلا بالله، فيكون عنوانها: "بسم الله"، عليه توكلت وإليه أنيب أمري كله.
إنشرها