Author

الفاتورة الصحية

|
تقوم الحكومة السعودية بتقديم العلاج لجميع المواطنين كحق أساسي يضمنه لهم الإسلام والنظام الأساسي للحكم، وبعض المقيمين بالمجان، لأسباب إنسانية إسلامية، ولكن السؤال الملح الآن وقبل فوات الأوان: إلى متى؟ "ومثل ما نقول دائما الحكومة ما تقصر"، ولكن قد تتغير الأحوال الاقتصادية، وعندها لن تستطيع الخزانة العامة دفع الفاتورة الصحية المتزايدة سنويا. إذاً ما العمل وكيف؟ أو نقول من يدفع الفاتورة الصحية؟ وما التكاليف ومحفزات الجودة؟ ثلاثة أشياء تتحكم في اقتصاديات الصحة في السعودية: المستهلك وحاجته وتوقعاته في ازدياد، من يدفع الفاتورة (الحكومة ممثلة في وزارة المالية) وما يدفع في ازدياد، ومقدمو الخدمة (القطاع الصحي من عاملين ومراكز ومستشفيات) والطلب على سرعة وجودة الخدمة في ازدياد، وكلها يحكمها التخطيط المتوازن الذي يضمن تقديم خدمة ورعاية وقائية وعلاجية بجودة عالية وتكلفة مقبولة مع إحلال البدائل وتطوير النظام الصحي الذي يفي بمتطلبات المواطنين ويراعي خصوصية السعودية. والحلول في نظري يجب أن تكون محلية، مع دراسة النظم في الدول الأخرى للاستفادة من نجاحاتها وتجنب أخطائها، وهنا يأتي دور المستهلك المبني على وعيه بالعملية الصحية ودورة الوقاية والعلاج من المهد إلى اللحد، وهذا يعتمد على التوعية المستدامة للمواطنين والمقيمين بكل ما يؤثر في صحة الإنسان واتقاء الأمراض والإصابات والحوادث وغيرها (ساهر، الدفاع المدني). وبالنظر إلى عملية التعليم والتوعية نجد أنها في أحسن حالاتها ضعيفة ومبتورة ومتقطعة إلا القليل منها، مثل التوعية خلال موسم الحج وظهور الأمراض المعدية كإنفلونزا الطيور والخنازير. وهنا يبرز دور التوعية المستدامة التي تخلط بين العلم والفن الدعائي، وتوفر الخدمة لإيصال معلومة وقائية أو علاجية لها زمن أو توقيت معين بخط زمني مقنن ومتكرر ومتجدد، حيث الهدف النهائي منها تقليل المعاناة للمواطن والمقيم مع تقليل العبء الاقتصادي على الدولة، ويتزامن معه دور القطاع الصحي الحكومي، وهو أعقدها وفي الوقت نفسه أبسطها، أو كما قيل السهل الممتنع، حيث يتميز عن غيره بأنه المنظم لعموم الخدمات الصحية والمقدم لمعظمها وما زال ينمو وبقوة مع زيادة مطلوبة في الدعم الحكومي المالي في السنوات القريبة المنظورة، وهنا يأتي السؤال مرة أخرى: إلى متى والحكومة هي الضامن الوحيد للخدمات الصحية للمواطنين؟ وهل هناك من طريقة لجعل هذا القطاع ولو جزئيا يعتمد على نفسه؟ طبعا هناك أمثلة للحلول ومنها شركات التأمين، وهذا مطبق لموظفي القطاع الخاص، أو تحول وزارة الصحة إلى منظم وضابط للخدمة مع نقل الخدمة الصحية الوقائية والعلاجية لهيئة مستقلة (انظر مقالات الأسبوعين الماضيين)، أو بيع المراكز والمستشفيات للقطاع الخاص. الهدف في النهاية زيادة الجودة وسرعة الخدمة مع ترشيد التكلفة، وهذا ممكن مع توافر العديد من العوامل. أولا: الفصل بين منظم الخدمة ومقدمها نظرا لتضارب المصالح (تنافر المتضادات). ثانيا: منع ازدواجية الرعاية (تكلفة مكررة دون فائدة مرجوة) باستخدام نظام إلكتروني شامل لعموم البلاد للقطاعين العام، العسكري وغير العسكري، والخاص باستخدام رقم الهوية الوطنية والبصمة كمعرف شامل للمريض (مؤشر للجودة والسرعة ووسيلة متابعة وإحصاء فورية). ثالثا: نظام إلكتروني شفاف ومباشر، من نقاط الخدمة (للمراكز والمستشفيات والصيدليات وغيرها)، فوري النشر على الإنترنت غير قابل للتزوير بين حركة المرضى وصرف الأدوية والمخزون والشاغر من الأسرة والمواعيد، ويكشف أي ممارسات غير قانونية مثل رفض المرضى، أو انتقاء المرضى وغيرها (مؤشر للجودة والسرعة ووسيلة متابعة وإحصاء فورية). رابعا: نظام الشراء الجماعي للمستهلكات الطبية والأدوية وغيرها (قوة تفاوضية مادية جماعية للتوفير). تأمين صحي شبه حكومي مع ضمان الخدمة للجميع وتجريم تأخير أو رفض علاج أي مريض (تحول تدريجي لنظام صحي مستقل وتقليل تدريجي للتكاليف). خامسا: حوافز مادية ومعنوية للمنشآت ومقدمي الخدمة أساسها ترشيد التكاليف، جودة الخدمة، الرعاية الوقائية، الكشف المبكر والتعليم الطبي الإلزامي المستمر. سادسا: النقل الجوي والأرضي للمرضى بين جميع المستشفيات بطلب الطبيب المحول وقبول الطبيب المعالج دون تدخل أي جهات أخرى في القرار مع سرعة وسهولة في الإجراء (ويكون الشعار المريض أولا)، وهذا لا يلغي أهمية جميع القطاعات الأخرى، مثل الهلال الأحمر وغيره، مع مراقبة مسجلة لجميع الحالات وتقنينها. في الختام: كما قيل السعيد من وعظ بغيره وقيل: "الوقاية خير من العلاج".
إنشرها