Author

أسعار مواد البناء.. أزمة العقار السعودي القادمة!

|
الكل يعي جيدا أن القرارات الحكومية الأخيرة في الشأن العقاري قد سرّعت من عجلة الإسكان والتنمية العمرانية بوتيرة لم يسبق لها مثيل في سوق العقار السعودي خلال الفترة لقصيرة الماضية، فقرارات خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز - حفظه الله - بإنشاء وزارة الإسكان واعتماد 250 مليار ريال لإنشاء 500 ألف وحدة سكنية خلال السنوات الخمس القادمة ورفع الحد الأعلى لقيمة قروض صندوق التنمية العقارية إلى 500 ألف، كانت المحرك الأساس لتسارع وتيرة عجلة الإسكان والتنمية العمرانية في مملكتنا الحبيبة، والتي تصب في المقام الأول في مصلحة المواطن من حيث توفير المسكن المناسب في المكان المناسب وبالسعر المناسب. يضاف إلى ذلك الحراك الذي يشهده سوقنا العقاري من خلال شركات التطوير العقاري وقانون الرهن العقاري المرتقب، وحزمة الضوابط والإجراءات من فرض رسوم على الأراضي البيضاء داخل النطاق العمراني، ونظام الاستثمار الأجنبي، والعمل على إنشاء هيئة عليا للعقار ستعمل على زيادة التنمية العمرانية في السوق السعودي. ففي ضوء هذه القرارات الحكومية والحراك الذي يشهده سوقنا العقاري والتوقعات بتزايد وتيرة الطلب على العقار في ظل الطفرة العقارية المتوقعة في المستقبل القريب برزت في الآونة الأخيرة معالم أزمة جديدة من أزمات سوقنا العقاري، ألا وهي أزمة مواد البناء. فالمتتبع لسوق مواد البناء (من حديد، وخشب، وأسمنت، وأسلاك كهرباء، ومواد سباكة) يلاحظ تزايد وتيرة أسعارها بين 15 و20 في المائة خلال الفترة القليلة الماضية. ومن المتوقع أن تصل أسعارها ما بين 30 إلى 40 في المائة أو حتى 50 في المائة خلال الاثني عشر شهراً القادمة خصوصاً مع دخول أول دفعة من الوحدات السكنية حيز التنفيذ والبدء بتسليم القرض العقاري بقيمة 500 ألف ريال. هذه الزيادة في حجم أسعار مواد البناء أمر متوقع حدوثه، بل قد يكون أمرا طبيعيا في ظل هذه الطفرة العقارية التي يشهدها قطاع العقار السعودي... فسوقنا السعودي له من التجارب السابقة في زيادة الأسعار إلى مستويات جنونية حتى أصبح "غلاء الأسعار" بمثابة موضة أو تقليعة من تقليعات سوقنا المحلي (فتقليعة أسعار الحديد والطوب الأحمر ومن بعددها الأسمنت ليست بالبعيدة)، ليس فقط أسعار مواد البناء بل حتى المواد أو السلع الاستهلاكية، مروراً بأزمة الأرز والسكر والشعير، وانتهاء بأزمة منتجات الألبان، حتى أصبح المجتمع السعودي ينام على أزمة ويصبح على أزمة أخرى من أزمات سوقنا المحلي. تؤكد التقارير والدراسات الميدانية لسوق مواد البناء أن السوق السعودي شهد طيلة الأعوام الماضية نقصاً تراكمياً حاداً في توفير مواد البناء بالكميات المطلوبة تغطيتها للسوق المحلية. يعود هذا النقص الحاد في مواد البناء إلى لجوء الكثير من أصحاب المصانع وشركات مواد البناء والمقاولات إلى التصدير لدول الجوار وتصدير كل ما لديها من مواد بناء بسعر أعلى من قيمة السوق المحلي (قد يصل، في كثير من الأحيان، إلى ضعف سعرها العادل في الأسواق المحلية) مضاف إليه قيمة النقل والتخزين، هذا من جهة، ومن جهة أخرى لجوء معظم شركات ومؤسسات المقاولات في "الوقت الحالي" إلى زيادة معدلات شراء مواد البناء المتوافرة في السوق المحلي وبكميات كبيرة بهدف تخزينها وتعطيش السوق مبكراً، خصوصاً في ما يتعلق بالأسمنت والحديد ومواد السباكة، تحسباً للطفرة المتوقعة لسوق العقار السعودي في المستقبل القريب، فتعطيش السوق المحلية من مواد البناء بهذه الطريقة سيعمل على رفع أسعار مواد البناء بطريقة مطردة وتراكمية، مما قد يؤدي إلى تعطيل المشاريع العقارية الحكومية والخاصة منها على المدى القصير، ورفع أسعار العقار والمنتجات العقارية أعلى مما عليها الآن على المديين المتوسط والبعيد. والمتضرر الأول والأخير من هذه الدوامة "دوامة سوق العقار السعودي" هما المواطن والاقتصاد الوطني، فالدولة - حفظها الله - تعمل جاهدة على توفير كل سبل الراحة والعيش الكريم للمواطن والمقيم على حد سواء بتوفير المسكن المناسب وبالسعر المناسب، إلا أن جشع تجار المقاولات والطمع في الثراء السريع بين قطاع كبير من المتعاملين في سوق مواد البناء (من مكاتب السمسرة والشنطة) سيقلب المعادلة رأسا على عقب عاجلاً أم آجلاً. لتفادي هذه الأزمة أو الحد من انتشارها، ينبغي على وزارة التجارة والجهات الحكومية الأخرى ذات العلاقة بالشأن العقاري الإمساك بزمام الأمور والقيام بالدور المناط بها (كلا فيما يخصه) على أكمل وجه، ومعالجة الخلل الحاصل من تعطيش للسوق السعودي بهذه الطريقة دون رقيب أو حسيب، والعمل على الحد من الأساليب الملتوية التي تمارس من قبل تجار مواد البناء وسماسرة الشنطة لرفع أسعار مواد البناء والمقاولات تارةً بحجة أسعار الوقود وتارةً أخرى بحجة تكلفة الشحن والتخزين وغيرها من الحجج الواهية "واللف والدوران على الأنظمة والقوانين" للحصول على سعر أعلى من سعر السوق العادل لسلع مواد البناء على وجه الخصوص وللمنتجات العقارية على وجه العموم. ما ينبغي التأكيد عليه هنا هو الدور الذي يجب أن تلعبه الجهات الحكومية وشبه الحكومية ذات العلاقة بالشأن العقاري وعلى رأسها وزارة التجارة من محاسبة وعقاب وتشهير بكل متلاعب بمصالح الوطن والمواطن على كل المستويات، من رفع لأسعار مواد البناء والمنتجات العقارية الأخرى، وتعقب كل من يحاول (كائنا من كان) أن يستغل هذه الطفرة العقارية التي يشهدها الاقتصاد السعودي ومحاولة استغلال نفوذه من أجل الحصول على مكاسب غير مشروعة. المصلحة العامة وإمكانات الدولة المالية والإدارية تصب في مصلحة الوطن والمواطن بالدرجة الأولى. أستاذ التنمية الاقتصادية المساعد – جامعة الدمام
إنشرها