ثقافة الجسور

طريق الملك عبد الله، طريق الدائري الشمالي، طريق الدائري الشرقي، طريق الدائري الجنوبي، وعما قريب.. طريق الدائري الغربي، هذه أسماء لمعالم حضارية عظيمة، نمر مع بعضها بشكل يومي وبعض تلك الطرق نسير عليها بشكل أسبوعي كأقل حال، لا ريب فهي تلك الطرق الرئيسة التي تربط مدينتنا الحبيبة - الرياض، تمتاز تلك الطرق بسعة الحجم، ودقة التأهيل، وحسن التخطيط، وإن دلت هذه الظاهرة على شيء لهي تدل على إدارة التخطيط الواعية للكادر الذي قام على إنشاء تلك الطرق وتطويرها، وها هي تلك الطرق في وقتنا الحالي، أصبحت معالم سياحية يقع على جنباتها أكبر الأسواق التجارية، والحدائق العامة، والجوامع الضخمة، لقد أصبحت متنزها لا مناص عنه أمام الكثير من المستفيدين من المواطنين، فلا يكاد يمر عليك يوم إلا وتحتاج أن تسير على إحدى تلك الطرق الرئيسة، وهذا أمر لا غبار عليه، إلا أن تلك الطرق بعد أن مرت عليها السنين بسرعة البرق، أصبحت تعاني بعض الشوائب التي لا يستطيع العقل البشري تفاديها لأن التنبؤ والاستقراء يقف عند حد معين للإنسان لا يستطيع بعده عمل أي شيء إلا أن يقف حائرا أمام الحلول المناسبة التي تعتري ذلك الأمر الذي قام بتنفيذه في يوم من الأيام، ومن بين تلك الشوائب التي سادت على بعض تلك الطرق الرئيسة، قلة المسارات، بمعنى أن عدد المسارات الحالي، لا يناسب ولا يقابل عدد المستفيدين من تلك الطرق، فأصبحت تختنق بأعداد السيارات الهائلة كل صباح وكل مساء، بل كل يوم وعلى مدار الساعة، وهذا أمر لا بد أن يعالج في هذه الفترة قبل أن تتفاقم المشكلة وتصبح لدينا مشكلة الزحام أمرا حتميا يصعب علينا مواجهته، وهذا ليس مناط الحديث؛ لأننا نشاهد هذه الأيام العمل الدؤوب والمستمر في مشروع طريق الملك عبد الله، ولكن ما حال طرق الدائري الشمالي والشرقي والجنوبي والغربي، وجزء كبير وأساسي من مشاكل الزحام الحاصل في تلك الطرق الرئيسة هو عدد السيارات الكبير الذي يضطر للسير في الطريق الرئيس للدوران إلى حي معين أو محل معين أو مسجد معين، ولو كان هناك جسور للمشاة تربط الجزء الأيمن بالجزء الأيسر والعكس صحيح لكان عدد كبير من السيارات يتوقف على جانب الطريق في مواقف مخصصة وينتقل إلى الجزء الآخر من الطريق دون الحاجة إلى الدوران بالسيارة، وهذا الأمر ملاحظ بشكل يومي.
إن ثقافة الجسور باتت أمرا معدوما في كثير من طرقنا اليوم، وإن كان عدد المشاة لدينا قليلا في تلك الطرق فإن عدد المحتاجين إلى التنقل كثير لو وفرت الوسيلة المناسبة. إن الجسور أمر محفز وداعم لنشر ثقافة المشي لبعض الحاجيات التي لا تستدعي الحاجة فيها إلى تشغيل السيارة وضرب الكيلوات الطويلة، ومن بين تلك المواقف التي استوقفتني كثيرا واستغربت منها بشكل أكثر، جامع الراجحي الذي يقع في شرق الرياض على مخرج 15، فذلك الصرح الشامخ الذي يشكر عليه الشيخ سليمان الراجحي، ونسأل الله تعالى أن يجزيه عن المسلمين خير الجزاء على الخدمات التي يقدمها ذلك الجامع، إلا أننا نعرف جميعا أن الجامع كان يقع في الجهة الغربية لطريق الدائري الشرقي واليوم مكانه في الجهة الشرقية، بمعنى أن المصلي يحتاج إلى الدوران بسيارته من مخرج 15 أو مخرج 16، بل إن المستفيدين من الجامع في مكانه القديم وجيران الجامع في ذلك الحي أصبح الجامع بين يوم وليلة يحتاج إلى سيارة تنقلهم إليه، فلو كان هناك جسر يمر من على طريق الدائري الشرقي ما بين مخرج 15 و16 لحل هذا الإشكال وقلل عدد السيارات إلى ضعف العدد الحالي الذي ينهك المكان الحالي لكثرة الناس والمصلين.
إنني أكتب هذه الأسطر وأنا على يقين تام بأنها لن تمر مرور الكرام على أمانة مدينة الرياض التي لا تألوا جهدا في كل ما من شأنه خدمة المواطنين، وكذلك المؤسسات الخيرية المعروفة بدعمها اللامحدود لمشاريع الخير التي تعود على الوطن والمواطن بالنفع والفائدة، ولكن لا نحتاج سوى أيام معدودة، وسنرى ثقافة الجسور إحدى ثقافات مجتمعنا الواعي، بإذن الله تعالى، ولا سيما وهي رافد أساسي من روافد النهضة الاقتصادية للعديد من المنافع والمجالات التجارية، ما نريده فقط حفظ الأرواح وردم ذلك المشهد غير الإنساني الذي يتكرر على أعيننا بين الفنية والأخرى عندما نرى أحدا يعبر طريقا رئيسا لم يهيأ بأبسط وسائل حفظ النفس البشرية.
أكاديمي وإعلامي سعودي

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي