بالأرقام: تراجع الدخل الفردي ومساهمة القطاع الخاص والحكومة تغزو العقار

من أهم التقارير عن الاقتصاد السعودي هو ما صدر أخيرا عن البنك السعودي الفرنسي في 17 مايو. وتأتي أهميته من النتائج التي توصل إليها في انخفاض الدخل الفردي الحقيقي وانخفاض مساهمة القطاع الخاص في إجمالي الناتج المحلي ومزاحمة القطاع الحكومي للقطاع الخاص حتى في قطاع العقارات. وكل تلك النتائج جاءت على عكس ما تستهدفه الخطط الخمسية. ويرى التقرير أن على القطاع الخاص أن ينمو بنسبة 6 في المائة على الأقل حتى يساهم في التنويع الاقتصادي، وأن ينمو بنسبة 605 في المائة حتى يستطيع خلق فرص عمل.
لقد انخفض الدخل الفردي الحقيقي مقارنة بالدول الأخرى بسبب ارتفاع النمو السكاني وتراجع نمو القطاع الخاص. فالأرقام تشير إلى أن مساهمة الحكومة في تكوين رأس المال الثابت (وهو رأس المال المستثمر الذي قد يؤخذ كمؤشر فيما أضيف إلى الاقتصاد كأصول ثابتة مقابل ما استهلك من القطاعات الثلاثة الحكومة، القطاع الخاص، والأفراد) قد ارتفع من 14 في المائة في سنة 2001 إلى 35 في المائة في 2009 (وهي الفترة التي شهدت صعودا مستمرا لأسعار النفط قبل انخفاضها في 2009). وفي الفترة نفسها انخفضت مساهمة القطاع الخاص من 75 في المائة إلى 49 في المائة. والجدير ذكره، أن الفترة 2000 ـــ 2010 قد شهدت تبني الحكومة لمشاريع عملاقة كالمدن الاقتصادية والقطارات والتعدين والكهرباء ـــ عجز القطاع الخاص في المشاركة في معظمها، إما لضخامة تلك المشاريع ونقص الخبرة الوطنية أو عجز البنوك عن تقديم التمويل اللازم لمثل تلك المشاريع الضخمة أو كلا السببين مجتمعين. وإذا كان ذلك قد يكون مبرراً، فإن مزاحمة الحكومة للقطاع الخاص في القطاع العقاري يصعب تبريره.
ففي سنة 2001، كانت مساهمة القطاع الخاص 96 في المائة في تكوين رأس المال الثابت في المباني السكنية و63 في المائة في المباني غير السكنية، ولكن تلك النسب انخفضت في السنوات الثماني التالية إلى 74 في المائة و2307 في المائة على التوالي. وكنت قد كتبت مقالاً منذ فترة ونشر في هذه الجريدة عن مزاحمة القطاع الحكومي للقطاع الخاص في المجال العقاري وضرورة المشاركة بشكل يساهم في تنمية دور القطاع الخاص في هذا المجال مع زيادة المشاركة الفردية.
وبالنسبة للدخل الفردي، فإن التقرير خرج بنتائج متوقعة يلمسها معظم المواطنين في انخفاض الدخل الحقيقي. فبينما الدخل الفردي الاسمي قد ارتفع في سنة 2010 إلى نحو 16000 دولار، بزيادة 74 في المائة عن سنة 2000، فإن الدخل الحقيقي للمواطن ـــ عندما يؤخذ في الحسبان معدل التضخم ـــ قد انخفض منذ منتصف الثمانينات. فالدخل الحقيقي للمواطن كان 8550 دولاراً في 2010 وهو مماثل لدخله في سنة 1991، وأقل من دخله الحقيقي في سنة 1980 الذي كان 14773 دولاراً. ويعود ذلك إلى النمو السكاني الكبير في السعودية بنسبة تجاوزت 182 في المائة بين 1980 و2010، بينما المتوسط العالمي للنمو السكاني هو 56 في المائة. وفي الوقت نفسه عجز القاع غير النفطي في النمو بنسب قوية تساهم في رفع الدخول الحقيقية.
من الواضح أننا أمام نتائج خالفت المستهدف من الخطط الخمسية في جعل القطاع الخاص محرك النمو الاقتصادي والموظف الرئيس للمواطنين. ويبدو أن السياسات والنفقات الضخمة التي أعلنتها الحكومة أخيرا ببناء نحو 500 ألف وحدة سكنية بمبلغ يصل إلى 250 مليار ريال، و وضع حد أدنى للأجور لا يقل عن 3000 ريال، وتوظيف المزيد في القطاع الحكومي هي خطوات قد لا تعالج هذا الخلل المتمثل في استمرارا مزاحمة الحكومة للقطاع الخاص واستمرار تراجع الدخل الحقيقي للأفراد. فارتفاع أسعار النفط الكبير ساهم بشكل واضح في عودة الحكومة للإنفاق بقوة، لكنه في الوقت نفسه ساهم في تراخي الحكومة في إصدار التشريعات والأنظمة التي تساهم في جعل القطاع الخاص محرك حقيقي للنمو. فعلى سبيل المثال، ساهم تأخر إصدار أنظمة الرهن العقاري إلى تردد القطاع الخاص في الاستثمار بشكل فعال في هذا القطاع، وساهم في عدم قبول البنوك المحلية في إقراض العقار بالحجم المطلوب، وآخر دخول شركات التطوير وشركات التمويل العقاري بقوة. ولذلك، فإن من المهم أن تتزامن مع الإنفاق الحكومي الهائل أنظمة وتشريعات تدفع بالزخم الكبير لتحقيق أهداف خطط التنمية. فليس من المعقول أن نستمر في الإنفاق في أوقات الرخاء بقوة، ونعود إلى تفعيل الأنظمة والتشريعات في أوقات الشدة. فذلك المشهد قد لا ينجح في المستقبل، كما نجح في الماضي. وبالنسبة للدخل الفردي، فإن الحل بسيط، فقد نادينا إلى رفع قيمة الريال مقابل الدولار مع البقاء على ربطه به، فجزء رئيس من تراجع الدخل الحقيقي يعود إلى تراجع مستوى الريال وهو ما لم يذكره التقرير.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي