حوكمة الشركات في سلطنة عمان

تعد حوكمة الشركات في سلطنة عمان من أقدم التجارب في منطقة الخليج، بل إنها تعد أيضا من أكثرها نجاحا وتطورا. بيئة الأعمال في عمان لا تختلف كثيرا عن مثيلاتها في دول مجلس التعاون. فتعتبر الحكومات ثم الشركات العائلية هما المحركان الرئيسان لقطاعات الاقتصاد المنتجة في هذه الدول إلى فترة ليست بالبعيدة.
''لكل فعل ردة فعل مساوية له في المقدار ومعاكسة له في الاتجاه'' أحد قوانين نيوتن، في كثير من دول العالم أستطيع القول بأن هذا هو حال الأنظمة وتطويرها، وبالأخص موضوع حوكمة الشركات، فدائما ما نرى صدور الأنظمة والاهتمام بحوكمة الشركات نابعا من ردة فعل تعرضت لها الأسواق في تلك الدول، وأستطيع القول بأنه وفقا لقوة الهزة التي يتعرض لها السوق، ودرجة تأثر المتعاملين في السوق يكون تأثر الجهات المشرعة في الإسراع بتطوير أنظمة الحوكمة.
يشير ''الفليتي'' 2010 إلى أن من أسباب انهيار سوق مسقط للأوراق المالية عام 1998، هو قيام السوق نفسها بأدوار ''الرقابة، والتداول، والتسويق، والإيداع، والتحويل، وحفظ السجلات، والقيام بإجراءات الرهن، والحجز على الأوراق المالية''، ما قاد إلى التركيز على أدوار السوق اليومية على حساب الدور الرقابي. وهذا ما أدى إلي سقوط سوق الأسهم بشكل غير متنبأ به.
منذ ذلك التاريخ وبالتحديد في تشرين الثاني (نوفمبر) 1998 بدأت عمليات إصلاح السوق من خلال إعادة هيكلة القطاعات ذات العلاقة، وفصل المهام المختلفة ما نتج عنه إنشاء ثلاثة أجهزة منفصلة هي (الهيئة العامة لسوق المال، سوق مسقط للأوراق المالية، وشركة مسقط للإيداع وتسجيل الأوراق المالية)، وبهذا تكون عمان هي أول سوق في الوطن العربي تقوم بفصل الجانب التشريعي والرقابي عن الجانب التنفيذي.
ثم توالت الأحداث المنظمة لحوكمة الشركات في السلطنة بإصدار ميثاق الشركات في عام 2002، والذي يعتبر مرجعا شاملا في تنظيم وإدارة شؤون الشركات المساهمة العامة.
''سلمون'' 2010 أشارت إلى أن نظام إدارة الشركات في عمان يتصف بسيطرة النظام المغلق أو النظام العائلي Insider System والذي تتم فيه السيطرة على الشركات العاملة بواسطة عدد قليل من المستثمرين، والذين يمثلون أسرا محدودة تسيطر على قطاعات مختلفة بحكم أنهم المؤسسون أو المسيطرون على مفاصل الاقتصاد. كما تشير أيضا إلى الاعتماد على دراسة قام بها البوسعيدي 2005 في السوق العمانية، والتي خلصت إلى وجود صعوبات في الحصول على أعضاء مستقلين وغير تنفيذيين للشركات المساهمة، إضافة إلى أن عملية مشاركة المستقلين Outsider في مجالس الإدارة تعد نادرة. وهذه قد تكون من المشكلات المشتركة بين أسواق المنطقة التي تمتاز بأنها شركات ذات جذور عائلية.
نتيجة لما تعرضت له السوق العمانية، ورغبة في الانضمام إلى منظمة التجارة العالمية والذي تحقق في تشرين الأول (أكتوبر) 2000، إضافة إلى توجه السلطنة في استقطاب الاستثمارات الأجنبية، فقد أدخلت العديد من التعديلات على قانون الشركات العماني الصادر في عام 1974 بما يتناسب مع متطلبات حوكمة الشركات العالمية، ولتكون حافزا للمستثمرين المحليين والدوليين للاستثمار في هذه السوق الناشئة. ركزت التعديلات المدخلة على الأنظمة في السلطنة على موضوعات الرقابة الداخلية، مجلس الإدارة واختصاصاته وعلاقاته، تحديد سقف العضويات التي يمكن أن يشغلها عضو مجلس الإدارة بأربع شركات مساهمة كحد أقصى، وألا يتم الجمع بين عضوية مجلس إدارة شركة مساهمة وشركة مغلقة تمارسان النشاط نفسه.
لم تكن التعديلات التي أعلنت على أنظمة إدارة الشركات المساهمة هي الأداة الوحيدة التي قدمتها الحوكمة العمانية، بل إنها تميزت بقرار استثنائي تم بموجبه نقل معظم مهام واختصاصات وزارة التجارة والصناعة ذات العلاقة بشؤون الشركات المساهمة إلى الهيئة العامة لسوق المال، وذلك لتركيز الأنشطة المتعلقة بالشركات المساهمة في جهة واحدة لضمان عدم التعارض مع الجهات التنظيمية الأخرى كوزارة التجارة، أو البنك المركزي.
قامت الهيئة العامة لسوق المال في عمان بإصدار العديد من التنظيمات المتعلقة بالموضوعات ذات الارتباط بتطوير حوكمة الشركات، على سبيل المثال ضوابط الإفصاح الفوري للشركات عن المعلومات الجوهرية، معاملات الأطراف ذات العلاقة لضمان عدم استغلال مناصبهم في تحقيق مصالح خاصة على حساب الشركات المساهمة، تنظيم عمليات انعقاد الجمعيات العامة وتوعية المساهمين بأهمية المشاركة، تحديد ضوابط تعيين أعضاء مجلس الإدارة، والالتزام بالمعايير المحاسبية الدولية لموضوعات الإفصاح.
بدءا من عام 2003 أصبح ميثاق تنظيم وإدارة الشركات المساهمة العامة، وهو التنظيم المختص بحوكمة الشركات، أصبح تنظيما ملزما لجميع الشركات المدرجة في سوق مسقط للأوراق المالية وصناديق الاستثمار العامة.
نتيجة للاهتمام بموضوع حوكمة الشركات في عمان فقد تم في عام 2007 تأسيس دائرة متخصصة تعنى بحوكمة الشركات، تلى ذلك تشكيل لجنة عمل حوكمة الشركات من القطاعين العام والخاص. نتج عنه في عام 2010 إنشاء مركز عمان لحوكمة الشركات، والذي يهدف إلى خدمة المستفيدين في موضوعات الحوكمة وذلك من خلال البرامج التدريبية وحلقات العمل، والندوات والمؤتمرات، وإصدار النشرات والمجلات التي تهدف إلى التوعية وترسيخ مفهوم وفكر الحوكمة لدى مختلف شرائح المجتمع، كما يستهدف المركز رفع قدرات أعضاء مجالس الإدارة من خلال التوعية والتدريب المستمرين.
الجدير بالذكر أن سلطنة عمان قد خطت خطوات كبيرة في موضوعات نشر ثقافة الحوكمة بين المتعاملين، كما نظمت مؤتمرا سنويا للتطرق إلى موضوعات الحوكمة بالتعاون مع الجهات الدولية المتخصصة. فمن توصيات مؤتمر عمان 2010 تذكر صحيفة ''عمان''، ''حيث تعد السلطنة من الرواد في حوكمة الشركات منذ بداية الألفية الجديدة، وتفرد إطار الحوكمة العماني باعتباره مثالا يحتذى به في المنطقة''. هذا وينظم مؤتمر الحوكمة في عمان سنويا بمشاركة الجهات الإقليمية والدولية ذات الاهتمام، وقد عقد في عام 2010 بالمشاركة مع معهد حوكمة و منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية OECD.
كان من أبرز توصيات مؤتمر 2007 تخصيص جائزة سنوية في إجادة حوكمة الشركات، والذي يتم منحه لأفضل شركة مساهمة تطبق معايير الحوكمة، والتي شرع في تطبيقها أخيرا وتهدف إلى تعزيز ثقافة الحوكمة بين الشركات العاملة، ورفع مستوى الوعي بين المستثمرين والمتعاملين بأهمية موضوعات حوكمة الشركات. وتعد هذه الجائزة الأولى إقليميا، وهذا يعكس مدى الاهتمام بموضوعات الحوكمة في عمان.
ختاما: تعد تجربة عمان من التجارب المشرقة في المنطقة والتي يجب أن يسلط عليها الضوء للاستفادة من خبرات من سبقونا في هذا المجال.

المزيد من مقالات الرأي