ثقافة وفنون

دمشق القديمة وكنوزها الدفينة .. كتاب يوثق عراقة وجمال أقدم مدينة مأهولة في التاريخ

دمشق القديمة وكنوزها الدفينة .. كتاب يوثق عراقة وجمال أقدم مدينة مأهولة في التاريخ

ترسم الكاتبة البريطانية بريجيت كنان في كتابها دمشق القديمة وكنوزها الدفينة المترجم إلى العربية والصادر حديثاً عن الهيئة العامة السورية للكتاب ملامح أصالة وعراقة تراث مدينة دمشق القديمة وما تخفيه من تحف معمارية نفيسة بين حاراتها وأحيائها وبيوتها التقليدية ونفائسها المخبأة خلف جدرانها. ويمثل الكتاب الذي قام بترجمته محمد علام خضر وجاء في نحو 250 صفحة من القطع الكبير وثيقة تاريخية لكل المهتمين بالتراث المعماري لكونها تشكل بحثاً علمياً وفنياً في الأجزاء المخبأة من الجماليات المعمارية لدمشق تكاملت مع الصور المعبرة للبيوت والباحات والنوافير وأعمال التزيين والزخرفة التي التقطها المصور تيم بيدو إضافة إلى المصورات المنتقاة والمتناسبة مع بناء هذا الكتاب. وتثير المؤلفة كنان من خلال كتابها بشكل غير مباشر مسألة أهمية الحفاظ على دمشق التي تجمع مزايا عدة فعدا عن كونها مدينة الأسواق والطرق التجارية فهي مدينة الصحراء والغوطة ونهر بردى والجامع الأموي وبالتالي فهي توجه دعوة للعالم لزيارة أقدم مدينة مأهولة في التاريخ من خلال إثارة اهتمام الجميع ليشاهدوا ما أنجزته يد الإنسان السوري من جمال. وتؤكد كنان هذا الأمر في مقدمة كتابها حيث لمست روعة هذه المدينة القديمة عندما سكنتها وقالت.. وجدت نفسي أقع في غرامها وخفق قلبي لها حين دخلت لأول مرة إلى أحد البيوت الدمشقية الكبيرة في الجزء القديم من المدينة. ونفت كنان أن تجعل من نفسها عبر هذا الكتاب باحثة أو مؤرخة إنما أرادت بحسب قولها إعداد عمل أكاديمي يهدف بالتعاون مع المصور بيدو لإعطاء من لا يعرف مدينة دمشق القديمة وبيوتها التقليدية الرائعة لمحة عن الأعاجيب والنفائس المخبأة خلف جدرانها التي تكاد تكون خالية المعالم من جهتها الخارجية إضافة إلى عرض خلفية موجزة من أجل طرح الموضوع على أحسن وجه. ورأت الكاتبة أن الحنين إلى منطقة دمشق القديمة وبيوتها التقليدية شعور لا يمكن مقاومته مستشهدة بقول نزار قباني في قصيدته رسالة إلى أمي.. مضى عامان يا أمي.. وليل دمشق.. فل دمشق.. دور دمشق.. تسكن في خواطر مآذنها.. تضيء على مراكبنا.. كأن مآذن الأموي قد زرعت بداخلنا. وقسمت كنان كتابها إلى جزأين قدمت في القسم الأول خلفية تاريخية عن دمشق المدينة المقدسة التي تتمتع بتاريخ عظيم ونفوذ اقتصادي وسياسي وتجاري كبيرين وإنجازات ثقافية وفنية وتمتلك أجمل فنون العمارة الإسلامية مثل الجامع الأموي الذي يروي كل حجر من حجارته تاريخ دمشق بتراثها العريق إضافة إلى القصور والبيوت الجميلة. كما وصفت دمشق بأنها أغنى موقع أثري في العالم لم يتم التنقيب عن أثاره كلها حتى الآن إذ لم يتمكن أحد على الإطلاق من استكشاف ما يوجد تحت أرض هذه المدينة لأنها كانت مأهولة باستمرار فأسرار دمشق مدفونة تحت الأرض بعمق مترين ونصف من التراب والأنقاض التي ساهم في وضع كل طبقة من طبقاتها كل حضارة نشأت على أرضها. بينما وصفت في الجزء الثاني من كتابها البيوت الدمشقية بباحاتها وسقوفها ورسومها الجدارية وزخارفها الملونة ونوافذها وأبوابها إضافة إلى المنحوتات الحجرية الزخرفية. وقدمت الكاتبة سرداً تاريخياً اجتماعياً لطبيعة الحياة في دمشق القديمة حيث تشير إلى أن هذه المدينة استطاعت البقاء لألفي سنة رغم الزلازل والحرائق والحروب والأوبئة التي فشلت جميعها في أن تنال من شموخها وبهائها. كما نقلت كنان في هذا الجزء شهادات وانطباعات الكثير من المشاهير والباحثين العالميين ممن زاروا دمشق ومنهم الشاعر الفرنسي الشهير لامارتين الذي قال لا يوجد في أوروبا كلها ما يضاهي هذه الروعة والجمال إضافة إلى الكاتب الأميركي كورتيس الذي رأى أن كل بيت دمشقي جنة قائمة بحد ذاتها. وختمت كنان كتابها بذكر أهم البيوت الدمشقية التي مازلت حاضرة حتى يومنا هذا وتحولت معظمها إلى متاحف أو مراكز ثقافية وغيرها ولاسيما بيت خالد العظم وبيت اليوسف والعبد وبيت جبري وقصر العظم وبيت النابلسي وبيت البارودي وغيرها. يشار إلى أن كنان شغلت مناصب رفيعة في صحيفة صاندي تايمز ومجلة نوفا والأوبزرفر حيث بدأت العمل كصحفية مستقلة منذ 1977 ومن أشهر مؤلفاتها كتاب رحلات في كشمير. أما المصور بيدو فهو مهتم بتصوير فن العمارة والتصميم المعماري مضى عاماً كاملاً في توثيق حياة الصحراء في شرق إفريقيا وعمل مصلحة عدد من المجلات المختصة بالتصميم والديكور ومن آخر أعماله كتاب رحلات السفاري.
إنشرها

أضف تعليق

المزيد من ثقافة وفنون