Author

ارتفاع أسعار المنازل

|
كبير الاقتصاديين في وزارة المالية سابقا
أسعار فإيرادات النفط هما المحرك الأقوى للاقتصاد السعودي. هذا الكلام ينطبق على سوق العقار. تلك نظرة كلية، وهناك النظرة الجزئية للعوامل المؤثرة في أسعار المنازل. والعلاقة بين الاثنين أن أسعار فإيرادات النفط محرك لعمل العوامل الجزئية. ارتفاع أسعار العقارات ومنها السكنية راجع إلى عدة أسباب، أحدها هو ضعف الاستجابة من المعروض من المساكن إلى التغيرات في الطلب. ومع ضعف الاستجابة، يترجم ارتفاع الطلب إلى ارتفاع أسعار المساكن بدلا من زيادة الإنتاج من المنازل. وجود رد فعل ضعيف للعرض إزاء ارتفاع الأسعار مشكلة، ولهذا الضعف علاقة بمدى توافر وجودة القوانين المتعلقة بالعقار والسكن. ينظر أصحاب المنازل أحيانا نظرة إيجابية إلى ارتفاع أسعار المنازل، ولكن ارتفاع أسعار المنازل له جوانبه السلبية وغير المفيدة للرفاهية الاقتصادية (للمجتمع). ويعمل ارتفاع الأسعار على نقل الثروة ممن هم خارج سوق الإسكان أو ممن يدخلون السوق إلى الملاك والمطورين. وهذا يعمل مع الوقت على اختلال توزيع الدخل في المجتمع. الجدول المرفق يوضح النتائج التوزيعية لارتفاع أسعار المنازل. ارتفاع الأسعار بسبب الطلب تؤثر عوامل الطلب وعوامل العرض في الأسعار. ومن جهة الطلب، يعمل ارتفاع الميل إلى استهلاك خدمات الإسكان على نمو الأسعار بقوة، تأثرا بعدة عوامل مثل: ـــ ثقافة تفضيل تملك السكن. ـــ الثقافة السائدة في نمط ومواصفات السكن. ـــ توسع المؤسسات المالية في تقديم خدمات التمويل. ـــ اعتبار ما يدفع في سبيل تملك سكن من قبيل الاستثمار وليس الاستهلاك. وهناك عوامل طلب أخرى لنا أن نفسرها في إطار ''المرض الهولندي''. ويطلق مصطلح المرض الهولندي Dutch disease على الآثار غير المرغوب فيها على قطاع اقتصادي من جراء اكتشاف أو ارتفاع قوي لأسعار موارد طبيعية. وتطبيقا على المملكة وبقية دول التعاون الخليجي، نشهد ارتفاعا حادا في الطلب على الخدمات والسلع واليد العاملة. وينشأ من هذه الزيادة القوية في الطلب زيادة الأسعار النسبية للسلع والخدمات غير القابلة للتداول في التجارة الدولية (غير القابلة تشمل أيضا ما يصعب استيرادها)، وعلى رأسها العقار مقارنة بأسعار السلع والخدمات القابلة (أو السهل) لأن تستورد. ولكن كيف يقدر الطلب؟ طبعا لا توجد بيانات عن الطلب، ولذا يلجأ إلى التقدير. والمقصود الكلي، أي مجموع الطلب في الاقتصاد، أو ما يمكن أن يسمى استهلاك المجتمع من خدمات الإسكان، وليس الطلب الفردي، والمقام لا يتيح الدخول في تفاصيل. تقدير الطلب معقد، مثله مثل دراسة السلوك الاستهلاكي بصفة عامة. ومن جهة أخرى، يخضع التقدير لوجهات نظر كثيرة. ذلك لأن تحليل الطلب على الإسكان هو في المقام الأول سؤال عن تكيف الأسر في استهلاك الخدمات الإسكانية، أخذا في عين الاعتبار العوامل التي تبعدهم عن التوازن (في العرض والطلب). التكيف قد يحدث بواسطة الانتقال إلى مساكن أخرى أو تعديل وحدات قائمة... إلخ. واتخاذ قرار لتكييف الوضع الإسكاني يتوقف على عوامل عديدة، لا أهمية لها في استهلاك السلع المعمرة الأخرى، ومن هذه العوامل خصوصية المكان وضعف التجانس. وهكذا فإن الاختلافات في الطلب بين الأسر أو بين المدن والأمصار تعكس في المقام الأول خصائص الأسر والطريقة التي يعمل بها سوق الإسكان في نطاق مدينة أو دولة. ولذا كان من الصعب توفير نموذج يستند إليه التحليل بحيث يشمل كل العوامل المهمة المؤثرة في الطلب الإسكاني. ولكن بصفة عامة، يؤثر في الطلب الكلي عوامل كثيرة أهمها الدخل الحقيقي الشخصي والثروة الحقيقية الشخصية وثقة المستهلكين والتوقعات حول تحركات أسعار المنازل في المستقبل، وتفضيلات وثقافة المجتمع وتكلفة التمويل والمكان. ومن الصعب عمل دراسة تطبيقية اقتصادية قياسية للاستهلاك الإسكاني في المملكة، حيث تعطي نتائج تقديرات ذات جودة عالية، بالنظر إلى فقد أو تدني جودة البيانات عن عوامل مؤثرة أساسية، مثل الدخل الشخصي المتاح. ومن المهم التفريق بين الرغبة في الدفع والقدرة على الدفع، حيث إن الرغبة المصحوبة بالقدرة هي العامل المهم هنا، وهي التي تسمى تقنيا الطلب. عندما يكون الطلب عاليا في منطقة جغرافية بعينها، فإن الأسعار غالبا ترتفع بسبب محدودية العرض الإسكاني. أما الطرف الثاني في النقاش وهو العرض، فمعروف أن عرض الأراضي هو أهم ركيزة للعرض الإسكاني. ولا أشك في وجود مشكلات تحد من العرض، مما يتسبب في ارتفاع الأسعار. وسأتناول ذلك في مقال الأسبوع القادم، إن شاء الله، وبالله التوفيق.
إنشرها