العدل مع الأرض

قلنا أمس إن العدل قيمته عظيمة إذا تحقق على أرض الواقع ورآه الناس كصيرورة اجتماعية وليس مجرد فكرة حالمة، و(العدل مع الأرض) يأتي في مقدمة الأشياء التي يرى الناس فيها تطبيقات العدل، فهي الأصل الثابت الذي تتداوله الأجيال وهي الموئل الأول وهي الملاذ الأخير وهي كل شيء للإنسان والتنمية ومستقبل الأجيال.. إنها أمنا الأرض!
إذا أحس الناس بتطبيقات العدل على هذا الأصل العظيم، فإننا نحقق باعث الطمأنينة الأعظم!
لماذا للأرض هذا الأثر في النفس الإنسانية؟
الأرض إذا ذهبت في غير مواضعها ولمن لا يستحقها، فإن الناس تشاهد هذا الاعتداء أمامها كل لحظة.. وهنا يثور السؤال وتأتي الإجابات، وقد تكون صادقة متصالحة مع النفس أو تأتي غاضبة رافضة، وهكذا تمور المشاعر وتصبح مصدرا مفتوحا لكل الاحتمالات والمفاجآت، والمشكلة في هذا الأصل الثابت أنه يظل (المثير الدائم) للمشاعر. إنه ليس أصلا إذا راح في غير موضعه فقد ذهب وتوارى واختفى عن العين، فالناس تنسى، مشكلة الأرض أنها باقية تثير النفوس وتجدد الأثر المرتد، وهنا تتسع دائرة المشاعر، سلبا أو إيجابا.
من السلبيات التي تتصدر اهتماماتنا نقص الأرض فقد أصبحت الأرض الآن عائقا للتنمية، والمسؤولون في الدولة ــــ حسب مواقعهم ومستوياتهم الإدارية ــــ أصبحوا يتحدثون عن هذه الإشكالية أمام الناس من باب التوضيح أو الدفاع عن سبب تأخر المشاريع.. وهنا الخطورة!
إذا المشاريع تعتمد مبالغها الضرورية ولكنها تبقى ترحل في الميزانيات لسنوات رغم أهميتها لحياة الناس، هنا نحن أمام مشكلة نرجو ألا نتساهل فيها. فعبر التاريخ الطويل للإنسان مع الأرض نجد أن عدم التعاطي الذكي والعادل مع الأرض يكون المصدر الأساسي للكثير من الاضطرابات والقلاقل والنزاعات التي واجهتها البشرية في تاريخها البعيد.
وربما هذا الإدراك لحساسية الأرض للناس وللتنمية هو الذي جعلنا نتدارك الأمور ونتجه لترتيب أولوياتها. لذا في بعض المجالات الضرورية للتنمية ثمة انفراجات مهمة، فقد تم تخصيص الأراضي الضرورية، ولكن الإشكالية باقية في مجالات التعليم والصحة والإسكان وهذه مجالات تواجه اختناقات كبيرة رغم أن مشروع الدولة المعلن والمدعوم، الذي يأتي في قائمة الأولويات مكرس لهذه المجالات الحيوية.
كخطوة عملية لحل هذه المشكلة المعلقة ربما نحتاج إلى تشكيل فريق عمل وطني من مختلف الجهات الحكومية يكلف بإعداد دراسة لحصر جميع الأراضي الحكومية التي ما زالت تحت ملك الدولة وفي مختلف الحيازات، صغيرة أو كبيرة ويكون هدف الفريق وضع حل لمشكلة الأرض، فلا توجد مشكلة بدون حل، ثم يفترض أن نكون آخر من يتحدث عن مشكلة الأرض.. (نتحدث عن مشكلة الأرض ونغرق فيها وننسى أن لدينا المشكلة الأعظم: المياه)!!
هذه الخطوة ضرورية لأن بعض القطاعات الحكومية لديها حيازات كبيرة وترفض التنازل عنها رغم الحاجة الملحة والماسة لها، وهذا عائق للتنمية نواجهه كل يوم ونخشى أن يكون العائق الأكبر لإطلاق المشروع التاريخي) الإسكان)، فنجاحه يجب أن يكون المهمة الأولى لكل مسؤول ومواطن، بل هو (واجب وطني) والتضحية ضرورية لإتمامه وعدم إعاقته، فهو مشروع الدولة، وهو المشروع الذي سوف يطلق قدرات المجتمع السعودي ويوسع دائرة الأمل في الحياة بالذات لدى الشباب، بل هو من أهم المشاريع التي تبنتها الدولة لتحويل الثروة الوطنية لتكون في يد الناس.
إن إتمام هذا المشروع وحتى لا يتعثر ربما يجعل من الضروري ومما يخدم المصلحة العليا لبلادنا هو (فرض ضريبة) على الأرض إذا استدعى الأمر وهذا مسار ضروري للعدل حتى لو خالطه بعض الظلم، والرسوم أو الضرائب هي منهج حضاري يتوخى العدل بين الناس، وأثره عظيم في المجتمع والدولة ومستقبل استقرار الوحدة واستدامتها.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي