اللقاء المعقد بين الغرب المتعدد والإسلام المتنوع

يحاول هذا الكتاب التوصل إلى تقديم البرهان على أن مرحلة اللقاء الراهنة بين الحضارات في عالم يتعولم ويتداخل يجب أن تطرح مصطلحات جديدة، ويقول المؤلف ''إننا في أغلبية الأحيان ننظر إلى هذا اللقاء على أنه علاقات بين ثقافات أو ديانات، فيما الأمر يتعلق بتداخل بين الحضارات، يذهب تفكيرنا إلى عوامل لا مفر منها من أجل تنظيم العلاقات بين الأمم، فيما نحن نواجه عمليات تتخطى مفهوم الدول ـــ الأمم التي نشأت في القرن التاسع عشر، غالبا ما نستمر في التعامل مع هذه الصلات بنماذج تفكير قديمة، ونسعى إلى إحياء التوازنات المفقودة، ومعالجة نقاط احتكاك ملتهبة، فيما المطلوب هو ابتداع طريقة جديدة لبناء علاقات بين عوامل تتلاقى''.
يقصد المؤلف بالغرب المتعدد أوروبا والولايات المتحدة وكندا وأستراليا، ويمكن ـــ في رأيه ـــ أن يتضمن اليابان، ويقصد بالإسلام المتنوع الطرائق المتعددة لفهم الإسلام وتطبيقه، وما يمكن ملاحظته في ذلك من تنوع.
ويعمل المؤلف فيليس داسيتو باحثا في علم الاجتماع وأستاذا في جامعة لوفان في بلجيكا، ويتولى إدارة مركز الدراسات حول الإسلام في العالم المعاصر، حيث ينسق برنامجا بحثيا مقارنا يتناول التحولات المحلية للإسلام في زمن العولمة، كما يركز أبحاثه بشكل خاص على الإسلام في أوروبا وبلدان إفريقيا الغربية، وله مؤلفات عدة، مثل ''الهجرة والفضاء العام.. الجدل حول عملية الاندماج'' و''بناء الإسلام الأوروبي.. مقاربية سوسيو أنثروبولوجية'' و''في الاتجاه الصحيح والمعاكس.. تطلعات إلى المجتمع المعاصر'' و''هجرات ومجتمعات وسياسات.. بلجيكا وأوروبا والتحديات الجديدة''.
والمترجم جان ماجد جبور يعمل أستاذا للغة الفرنسية وآدابها في الجامعة اللبنانية، وله عدة مؤلفات من بينها: ''الشرق في عالم مرآة الرسم الفرنسي من القرن التاسع عشر حتى مطلع القرن العشرين''، ودراسة لرواية ''الحلم'' لأميل زولا'' و''النظرة إلى الآخر في الخطاب الغربي''، و''المعجم الفرنسي العربي الكبير''.

الغرب المتعدد والإسلام المتنوع
تحول الغرب إلى مصطلح محمل بالمعاني والترسبات الثقافية، الإرث اليوناني والروماني والمسيحي، والفكر الفلسفي المتعلق بالطبيعة والفرد والسياسة، والتكنولوجيا والعلوم التي تطورت منذ نهاية القرن الثامن عشر، وما نشأ عنها من ديناميات اجتماعية وثقافية صاحبت الثورة الصناعية.
وبالطبع؛ فإن العالم المعاصر لم يعد غربيا، فأوروبا متنوعة، ''وثمة حداثة تأتينا من بلدان شرقية، كاليابان وكوريا والهند والصين، وجنوب إفريقيا والبرازيل والأرجنتين وروسيا''، ''فحين نتكلم عن لقاء وعلاقة بين العالم الإسلامي والغرب لا بد قبل أي شيء من أن نعتمد في تحليلنا النظرة المتنوعة، وأن نأخذ في الحسبان تداخل الصلات، هذا إضافة إلى إدراج العلاقات المعقدة في إطار التوجهات العامة والموحدة للعالم المعاصر''.
وفي المرحلة المعاصرة ثمة عولمة تبدل المفاهيم، ففي اعتمادها على الاتصالات المتسارعة والانتقال السريع للمعلومات والأشخاص تسود حداثة من نوع مختلف قائمة على تقنيات الاتصال، من التلفاز والهاتف والأقمار الصناعية والإنترنت، تكاد توحد العالم وتدمجه ببعضه.
وتتسم الحداثة المعاصرة أيضا بالدفع باتجاه تعميم التكنولوجيا على العالم، ونحن نمر بتجربة الحياة التي تهيمن عليها التكنولوجيا، وهي تجربة ملتبسة، فهي منتشرة وتحظى بإقبال كبير، وفي الوقت نفسه فإنها تؤكد سيطرة الغرب على سائر أنحاء العالم.
ويعاد اليوم تشكيل العالم بأسره وفق المصالح الاقتصادية والمالية، والبحث العلمي التكنولوجي، ووسائل الإعلام والدعاية التي تعرف كيف تخلق الرغبات والاحتياجات، وتخلق العولمة أيضا حالة من التراتبية وعدم المساواة والفجوة غير المسبوقة بين الأفراد والمجتمعات والدول.
وتنشأ اليوم نخبة عالمية أنتجها تحالف رأس المال والبحث العلمي والتقني والفاعلون في عالم الثقافة، وتدير هذه النخبة وتتحكم في توجيه المسار العالمي، وتحقق ثراء واسعا ومجاوزا الحدّ، وهي نخبة لم تتشكل من خلال لعبة ديمقراطية، إنما أفرزتها السوق.
وأدخلت حالة ما بعد الحداثة (وهو الوصف الثقافي والاجتماعي للتشكلات القائمة اليوم بعد الثورة الصناعية المنسوب إليها الحداثة) مفاهيم وأسئلة جديدة وصيغا للتعبير عن الذات والهويات داخل الساحة الإعلامية، فوسائل الإعلام لم تعد أداة للبث والدعاية والتسلية، بل هي أماكن حقيقية لبناء الفضاء الاجتماعي، والإخراج الذي تعتمده هذه الوسائل المعولمة يطرح أسئلة مثل: أين وما الحقيقة؟ هل ما تعكسه الصورة الإعلامية هو الواقع فعلا، أم أن الصورة الإعلامية هي التي تنتج الواقع؟ هل صورة المشتغلين بالسياسة تعكس بالفعل الصفات التي يتحلون بها بالفعل أم أنها صورة إعلامية؟ ربما يكون المجتمع الغربي المعاصر يفتش عن صيغة جديدة تجمع بين منطق الحداثة ومنطق ما بعد الحداثة.
وعلى عكس ما يبدو ظاهرا، فإن بعض القيم البنيوية مثل الإيمان بالعلم النافع والمادية والتغيير والتجدد والتقدم لم تتبدل، بل تجذرت في بعض مناحيها إلى درجة أصبحت تثير القلق، كل شيء يصبح متساويا، شرط أن يؤمن التعبير عن الذات وتفتحها، واللذة الجمالية، وهذا ما ينتج أخذ وجهة نظر الآخر في الحسبان واستيعابها من أجل فهم الذات.
أين موقع العالم الإسلامي اليوم في علاقته مع الغرب من هذه التحولات الكبرى؟ يقول المؤلف ''إن العالم الإسلامي يواجه غربا شمولي الأهداف، نخبويا وتسلطيا في نظرته إلى المستقبل، قلقا أكثر من أي وقت مضى، وهو يفتش عن ثوابت يقينية.. والفكرة الوحدية التي تقود خطاه لا تتحمل عدم اليقين والتساؤل، لكن العالم الإسلامي من جهته يواجه كذلك البعد الحداثوي المتجدد، والنسبي والعلائقي، والمتفهم لغيره، والمتشوق للتعرف إلى تجارب أخرى, إضافة إلى التجربة الغربية كالتجربة البوذية أو الهندوسية وغيرها'', يشكل الإسلام اليوم مرجعا لحياة أكثر من مليار شخص يعيشون في منطقة جغرافية واسعة وممتدة، ويرى المؤلف عالم الإسلام اليوم يتكون من عشر مجموعات كبرى، تشكل فضاءات وتراثاث ثقافية ولغوية مختلفة نسبيا، وإن كان يجمع بينها دين ومعتقد واحد، ومن الناحية الدينية ينقسم المسلمون إلى أغلبية سنية، وشيعة، وتمثل الجزيرة العربية مرجعية رمزمة للعالم الإسلامي لكونها القلب النابض للإسلام، وتحظى المملكة العربية السعودية بكلمة مسموعة ومكانة مهمة في العالم الإسلامي.
وهناك أيضا دول المشرق العربي التي تواجه تحدي دولة إسرائيل واحتلالها القدس وأجزاء من البلاد العربية، ودول شمال إفريقيا العربية ذات العلاقة الأكثر خصوصية مع أوروبا، والعالم الفارسي في إيران وآسيا الوسطى، والعالم التركي الممتد في تركيا والبلقان وآسيا الوسطى، وشبه الجزيرة الهندية، وشرق آسيا (إندونيسيا وماليزيا) والدول والتجمعات الإسلامية في إفريقيا، وبدأت الدول الغربية تجتذب أعدادا كبيرة من المسلمين المهاجرين والمتوطنين والطلاب والتجار والسياح، الذين صاروا يشكلون تجمعات وظواهر إسلامية واجتماعية في الغرب.
''واليوم فإن العالمين الإسلامي والغربي يتواجهان ويتلاقيان, وهما في الوقت نفسه يعيشان حالة من القلق وعدم اليقين، وينوءان تحت حمل تاريخ طويل ومعقد من العلاقات والقضايا العديدة والمتنازع عليها''.

اللقاء الصاخب بين العالمين الإسلامي والغربي
غلب على العلاقة التاريخية بين الشرق الإسلامي والغرب الصراع العسكري والغزو المتبادل، وإن كان ثمة قدر من العلاقات الدبلوماسية والودّ في فترات وأمكنة متعددة، وفي هذا الجو نشطت التجارة بين العالمين، وتمكن التجار من إنشاء أجواء من الثقة المتبادلة، وفي بعض الأحيان نشأت علاقات سياسية دافئة كما حدث بين هارون الرشيد وشارلمان الفرنسي، وفي الأندلس أيضا نشأ تفاعل ثقافي واجتماعي فريد.
وتعد الحقبة العثمانية التركية محطة مهمة في تاريخ العلاقات بين العالمين، فقد انتقلت قيادة العالم الإسلامي إلى الترك، ثم دخلت تركيا في سلسلة حروب وصراعات طويلة مع أوروبا، بدأت بانتصارات مهمة وتوسع سياسي في القارة الأوروبية، ثم أعقبت ذلك سلسلة متتالية من الهزائم والانسحابات، وكان من انعكاسات هذا الصراع نشوء مذاهب واتجاهات مسيحية جديدة (البروتستنتية).
وتمثلت المحطة الثالثة في تاريخ العلاقات بالاستعمار الذي بدأ بالحملة الفرنسية على مصر بقيادة نابليون عام 1798، التي أدت إلى صدمة ثقافية في العالم الإسلامي أظهرت الفجوة في العلم والتقدم والتكنولوجيا بين العالمين لمصلحة الغرب، ثم خضع العالم الإسلامي لاحتلال استعماري غربي، وكانت مواجهة مع الغرب مباشرة وعنيفة، ثم تشكلت علاقة ملتبسة، مزيج من مصالح الانجذاب المتبادل والصراع السياسي والثقافي، وتعرف الغرب أكثر من قبل على الإسلام والعالم الإسلامي، واكتسب المسلمون أفكار الغرب السياسية وأهمية الحداثة الغربية والتكنولوجيا المدنية والعسكرية، والنظام الصحي والتعليمي، ومكانة الدولة ـــ الأمة.
وكانت المحطة الرابعة في حراك التحرر والاستقلال الذي عم العالم الإسلامي وما تبعه من قيام دول مستقلة متعددة، وما انعكس عليها من ظهور الولايات المتحدة قوة غربية كاسحة تفوقت على أوروبا، وصعود الاتحاد السوفياتي بوصفه قوة عظمى منافسة للمعسكر الرأسمالي بقيادة الولايات المتحدة، وصحبت ذلك أيضا موجة إسلامية جديدة، وزاد ذلك من القلق الغربي تجاه ما يحدث من تفاعلات وتحولات في العالم الإسلامي.
وشهدت التسعينيات محطة خامسة في العلاقات بين العالمين الإسلامي والغربي، فقد انتهت الحرب الباردة التي سادت العالم بعد الحرب العالمية الثانية، واجتاحت العالم برعاية أوروبية وأمريكية عولمة اقتصادية، نجم عنها عولمة ثقافية وسياسية، وتنامى شعور إسلامي بالقلق من عودة الهيمنة الغربية والتهميش والفجوة مع العالم المتقدم، وأنعش القلق المتبادل ظهور التطرف اليميني الأوروبي والإسلامي، وتوج هذا الصراع والقلق بأحداث الحادي عشر من أيلول عام 2001، وما تبعه من غزو عسكري للعراق وأفغانستان.
هل علينا أن ندرج اللقاء الجديد والمواجهة الجديدة بين الغرب المتعدد والإسلام المتنوع في مجال الاتصال المحفوف بالمخاطر؟ أي أن النتائج يمكن ألا تكون متوقعة في وقت يأمل هذا العالم الذي ينحو التواصل المتزايد أن يتمكن من الإمساك بمفاصل كثيرة من المستقبل.

لقاءات على مراحل متعددة
يطرح المؤلف في هذا الفصل بعض الأدوات المفهومية التي تحمل مدلولها الخاص وتأثيرها في بعض مناحي الحياة الجماعية، لأجل تأكيد الفكرة القائلة إن اللقاء الحاصل يتخذ مدى شموليا يصبح معه الكلام عن الحضارة أمرا ضروريا، فاللقاء لا يقتصر على الديانات ولا على الثقافات فقط, إنما هو لقاء غير مسبوق بين حضارات.
1- دول وأمم: أرسى تشكيل الدول ـــ الأمم مفهوما للعلاقات الدولية يقوم على أنها علاقات بين دول ذات سيادة، ونسجت الدول لنفسها هويات وطنية.
2- ثقافة ودين: لم يعد يجري الحديث عن الثقافة ''الراقية'' المتعلقة بالفنون، إنما بالشعب وحياته اليومية، وما ينجم عنها من نتاجات ورؤى للعالم تحكم حياة الناس، وفي هذا المعنى هناك بعد ثقافي في العلاقات بين الغرب والبلدان الإسلامية، حيث تلعب الموسيقى والتغذية واللباس وسائر مظاهر الحياة اليومية دورا مهما.
3- حضارات: يدل مفهوم الحضارة على مجموعات بشرية يجمعها عمق تاريخي شكل عماد مجتمعاتها لفترة طويلة، من طرائق التفكير والتوافق على بنى مجتمعية أساسية، كالزواج والبنوة والدين والعلاقة بالحياة والموت، وتحديد مفهوم للسياسة والقانون والاقتصاد،..
وفيما يخص الإسلام والغرب يمكننا الكلام عن لقاء حضارات يتخطى لقاء ثقافات متنوعة أو لقاء ديانات، على الرغم من أهمية هذين العاملين، والرهان على لقاء بين بلدان العالم الإسلامي ودول الغرب يكمن في التوصل إلى النظر إلى العلاقات الحالية والمستقبلية من خلال إغنائها بالعمق الحضاري لدى كل الأطراف، فهناك الكثير من التداخلات القائمة بين هاتين المجموعتين، وهو ما لا ينطبق مثلا على التداخلات القائمة التي تربط الغرب بالحضارات اليابانية أو الصينية.

النزاعات الخمسة الكبرى
يحدد المؤلف خمسة موضوعات نزاعية كبرى، تدفع إلى المواجهة بين الغرب والعالم الإسلامي، وهي:
1- النزاع حول الفرد: فبقدر ما يحمل الإسلام من ثقافة فردانية، لكن الفردية تمثل حالة خلاف.
2- النزاع حول النساء والرجال: ما زالت العلاقة بين الرجال والنساء وأدوارهم تحكمها أوضاع وحالات تخلى عنها الغرب الذي مضى بعيدا في المساواة والحرية التامة للرجال والنساء في العمل وأسلوب الحياة وفي العلاقة الشخصية والجسدية.
3- النزاع حول النظام: تتشكل المجتمعات في الغرب الحديث حول العوامل التكنولوجية والاقتصادية، ويقتصر دور الدين على الحياة الشخصية لتصبح العلاقة مع الله ذاتية لا تمتد إلى المجتمع وتنظيمه، وفي المقابل فإن العالم الإسلامي (في رأي المؤلف بالطبع) يسعى إلى إعادة ابتكار مجتمع يكون الدين محوره، وحول هذه النقطة تدور مواجهة أساسية؛ لأن أيا من النموذجين يضع الآخر في موضع التشكيك.
4- النزاع حول الموقع في العالم: يعتقد المؤلف أن العالم الإسلامي هو المكان الوحيد الذي تعلن فيه مواجهة أيديولوجية شاملة، وهو خطاب ـــ في رأي المؤلف ــ غير متماسك، ولم يتوصل إلى اقتراح نموذج بديل، وليس سوى هروب إلى عالم متخيل يحتل فيه تنظيم طقوس العبادة والعلاقة بين الجنسين موقعا متميزا، ويصنف الغربيون هذا النموذج بأنه تقليدي ينتمي إلى ما قبل الحداثة أو مقاومة الحداثة، ويعد المسلمون (في رأي المؤلف بالطبع) أنفسهم قادرين على حمل خطاب حديث مضاد للحداثة الغربية، ويعتقدون أن بإمكانهم أن يغرفوا من ماضيهم ومن حضارتهم الوسائل التي تمكنهم من مواجهة ادّعاءات الغرب، وهم يظنون أن بإمكانهم امتلاك المقومات التي تضعهم على قدم المساواة مع الغرب.
5- النزاع حول التطرف: يظهر الغربيون قلقا مما يعدونه عدم تسامح إسلامي إزاء كل ما لا ينتمي إلى الإسلام.

اللقاء وما بعد أوروبا
يرى المؤلف أن الموقف الأوروبي من تركيا يؤشر بشكل واضح على المأزق الذي بلغه تصور معين لأوروبا، فالمؤيدون لدخول أوروبا إلى الاتحاد الأوروبي يبرزون الارتباط الحالي والمستقبلي، ويعولون على السوق والمؤسسات، أما المعارضون لذلك فيضعون في الواجهة الماضي والثقافة، ففي الواقع إن أي بناء سياسي هو دائما توتر بين الماضي والعقد الراهن وآفاق المستقبل، بين ديناميات الأشخاص والمصالح وبين الهويات الجماعية والانتظام المؤسسي، كيف يمكن التوفيق بين المنافع الاقتصادية التي هي المحرك الأساسي للبناء الأوروبي وبين الانتماءات المرجعية الحضارية والثقافية المهمة في بناء الهويات الجماعية وفي تشكل العامل السياسي من جهة أخرى؟ يتساءل المؤلف، ثم يقول: لقد حان الوقت لقول المسكوت عنه، ولقد حان الوقت كذلك للخروج من صورة أوروبا التي ورثناها من المشروع التأسيسي منذ نحو 60 سنة، لقد تغير العالم كثيرا منذ ذلك التاريخ، وأغلب الظن أن قياديي أوروبا ليسوا على إدراك تام بهذا التغير.
ويقتبس المؤلف وصف جيل كيبيل للحالة القائمة في العلاقة بين الغرب والعالم الإسلامي بالقول: في عالمنا المعولم، هناك جزء من الغرب على الأرض المسلمة، ومسلمون على أرض الغرب، فالموضوع ليس إذن حربا بين حضارات، وإنما هو نزاع معقد داخل الحضارات المتداخلة المحكومة بالحوار بين ثقافاتها بشكل دائم، مهما كان رأي الإسلاميين المتشددين من جهة واليمين المتطرف من جهة أخرى.
ويقول المؤلف إنه يمكن للمسلمين الأوروبيين أن يحتلوا موقعا مميزا شرط التخلي عن الرهانات والمصالح داخل المؤسسات، وعدم الاكتفاء بلعب دور الوسطاء لإسلام آت من مكان آخر، وأن يكونوا منتجين لفكر تجديدي.. إن وجودهم في أوروبا مناسبة تجب الإفادة منها للتجدد، ليس فقط من أجل التفكير في حال الإسلام في القرن الخامس عشر للهجرة، إنما من أجل التفكير في اللقاء الجديد مع الغرب.

تأليف فيليس داسيتو
ترجمة: جان ماجد جبور
هيئة أبو ظبي للثقافة والتراث (كلمة) - أبو ظبي
الطبعة الأولى 2010
151 صفحة

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي