حرية نقل الكفالة وشركات الخدمة العمالية

عديد من دول العالم لا تستقدم عمالة إلا لمدد محددة أو لأعمال أو مشاريع تحتاج إلى تخصصات لا تتوافر في الأيدي العاملة الوطنية وبعضها تسمح بالهجرة إليها بعدد محدد سنويا بشروط صعبة وتخصصات مطلوبة حتى لا ينافس الأجنبي ابن الوطن في فرص العمل المحلية، وبعضها يسمح للأجنبي بالإقامة أو الجنسية مقابل إنشاء مشاريع استثمارية تشترط تشغيل عدد محدد من العمالة الوطنية وليس فتح فرص عمل وظيفية فقط ثم تُشْغل بأيدٍ غير وطنية. هل كل هذه الدول التي تجنس الكفاءات الوافدة إليها يجهلون مصلحتهم بينما يقررون ذلك بتجارب واقعية ودراسات ميدانية تدعم هذا التوجه؟
دول الخليج تستقدم عمالة دون حدود لمشاريع البنية التحتية لعدم وجود المواطن الكفؤ لبعض هذه الوظائف أو تعاليه عن القيام بها أو لتدني أجرها. ومع الأسف، فتحت المملكة مجال الاستقدام أساساً للحاجة ثم أصبح للاسترزاق وبعضه ما زال للحاجة ولم تميز الوزارة بين عمالة المشاريع المحددة والمنشآت التي لديها أعمال فعلية وبين المنشآت الوهمية. ومن الملاحظ تزايد عدد السجلات التجارية في المناطق النائية واستخدامها في جلب عمالة للعمل لدى الغير أو بالتستر عليهم للقيام بالتجارة أو غيرها من النشاطات مقابل إتاوة يُتفق عليها، وأصبحت دخلا سهلا لفئة من المواطنين، مع حُرمة هذه الأموال كما بينها أصحاب الفضيلة العلماء لمخالفتها أوامر ولي الأمر والأنظمة القائمة، لذلك يستغلون المستقدم ويهددونه بالترحيل إذا لم يستجب لإتاواتهم وسيحاربون ويتحايلون لمنع تنفيذ أي قرار يحرمهم من هذا الدخل السهل، وطبعا لا يمكنهم القيام بذلك دون تعاون غير معلن ومنافع مشتركة.
لقد فشلنا في توطين الوظائف ومحاربة التستر، لذلك علينا كسر شوكة المستفيدين من الأنظمة والمتحايلين عليها. إن نظام الكفيل الذي يجعل المكفول مذعنا له بسبب الحاجة وبالتالي يتعسف الكفيل في هذا الحق. والكفالة في الشرع نوعان: كفالة غرم وأداء وكفالة إحضار، الغرم والأداء غير متحقق وكفالة الإحضار أيضا غير متحققة، فإن الكفيل لا يستطيع أن يحضر مكفوله المطلوب أمنيا أو الهارب، لذلك أقصى شيء يبلّغ عن هروبه ويسلم إقامته وجوازه للجهات الأمنية، فتحت أي كفالة توجد كفالة اليوم؟ لذلك علينا أولا إصدار قرار ليس بإلغاء الكفالة فهذا موجود في كثير من دول العالم ولكن بإعطاء الحرية لكل عامل غير سعودي بنقل كفالته بعد مرور سنة واحدة على استقدامه دون موافقة كفيله وبرسوم لا تتجاوز 500 ريـال ونضع الضوابط ومنها التأكد من حاجة الكفيل الجديد للعامل وتحقيقه نسبة السعودة المطلوبة.
إن حرية انتقال العامل غير السعودي تعطيه فرصة لتلقي معاملة أفضل من كفيله لخبرته وجهوده ويحرم كفيله من الإتاوة المفروضة عليه الآن التي إن لم يدفعها هدده بالترحيل، إن هذا القرار سيساعد العامل السعودي أيضا على منافسة المستقدم والحصول على راتب أعلى مما يقدم له اليوم لتساوي فرص ترك العمل لكليهما.
إننا نتطلع لإنشاء شركات مساهمة للعمالة وليس شركات امتياز حتى لا نستبدل آلاف الكفلاء بعدد قليل من المالكين وأن تكون هناك شركتان مساهمتان على الأقل للمنافسة في كل منطقة ويمكن فتح فروع لها في المناطق الأخرى، ويكون لها حق الاستقدام المنظم للأعمال والتخصصات المطلوبة حسب طلب النشاطات المختلفة واحتياجاتها، ويجب أن تحول جميع شركات خدمات العمالة الحالية إلى شركات مساهمة ولا نستثني أحدا، وينبغي ألا ندمج شركات العمالة المنزلية بشركات تأجير واستقدام العمالة العامة للقطاع الخاص حتى نتمكن مستقبلا من إصدار أنظمة مختلفة لتنظيم هذين النشاطين المختلفين ومنها وضع فحوص وبرامج تدريب وتوعية عن ظروف العمل في المملكة ونظام العمل السعودي.
ويمكن لشركات المقاولات والصيانة استقدام العمالة الخاصة بهم مباشرة إذا كان عندهم مشروع أو أكثر ولا يسمح لهم بنقل كفالتهم إلا إلى شركات خدمات العمالة أو لشركة مقاولات أو صيانة أخرى يكون لديها مشروع أو ترحيلهم عند نهاية مشاريعهم ولا يسمح لعمالتهم بالعمل عند الغير أو الاحتفاظ بهم انتظارا لمشروع قادم ثم يتسللون منهم إلى سوق العمل.
إن قفل باب الاستقدام تدريجيا بعد إنشاء ونجاح شركات الخدمة العمالية المساهمة سوف يقلل من العمالة السائبة وأيضا سيجبر الكفيل السعودي وصاحب العمل على تحسين معاملة العمالة الوافدة والوطنية، وعلينا أيضا أن نرفع ثقافة صاحب العمل باحترام العامل الوطني والصبر عليه وإمداده بالنصيحة والتدريب على رأس العمل وكذلك القيام بالتعديلات المطلوبة على نظام العمل الحالي ومتطلبات أخرى نحتاج إلى تحقيقها لننجح في تحقيق خطط واستراتيجية وزارة العمل.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي