تغيير النظام.. وعلاقته بتقنية المعلومات

يفرض الواقع الاقتصادي والاجتماعي والسياسي السائد في دول العالم، الشعور المتزايد بالحاجة إلى التغيير، ويمثل هذا الواقع ما يعرف في نظريات التغيير بمرحلة التفكيك والتحليل, وهي التي تعمل على خلق الشعور الملح بالرغبة في التغيير، وتتبع ذلك مرحلة التغيير, التي تتضمن عملية إحداث التغيير المطلوب من خلال سلسلة من الإجراءات، وفي حال النجاح في تحقيق أهداف التغيير يتم تثبيت المكاسب فيما يعرف بمرحلة التجميد.
تقنية المعلومات والاتصالات تقود اليوم مراحل التغيير الثلاث، وتسيطر على كثير من جوانبه، فهي تلعب دور المحفز والموجه والممكِّن لمبادرات التغيير على مستوى العالم، وتعيد بذلك تشكيل مفاهيم التغيير ونظرياته ومبادئه وأساليب تطبيقه. ويدفع هذا الدور المتنامي لتقنية المعلومات والاتصالات الحكومات والمؤسسات إلى المسارعة بوضع الاستراتيجيات والخطط، وتخصيص الموارد والإمكانات لتوظيف تقنية المعلومات والاتصالات في توجيه وتنفيذ وتحقيق أهداف التغيير.
ورغم الجهود الكبيرة المبذولة من قبل الحكومات والمؤسسات المعنية، فإن نتائج مبادرات التغيير في كثير من الحالات تكون إما غير مقنعة وإما مخيبة للآمال، فالدراسات تشير إلى أن نحو 75 في المائة من مبادرات التغيير المبنية على تقنية المعلومات تفشل في تحقيق أهدافها نتيجة تعقيدات تتعلق بظاهرة مقاومة التغيير، وطبيعة الثقافة المحلية، وغيرها من الأسباب. وهذا المعدل المرتفع من حالات الإخفاق مؤشر قوي على عدم فاعلية استراتيجيات إدارة التغيير المتبعة، أو الأسوأ من ذلك، عدم وجود استراتيجية لإدارة التغيير من البداية.
التغيير المبني على أو ''الممكَّن'' بتقنية المعلومات بطبيعته ليس هدفاً سهل التحقيق، فهو عملية مركبة ومعقدة ومتعددة الأبعاد والجوانب، وأساليب إدارة التغيير المؤسساتي التقليدية غير فاعلة في التعامل معه، وكذلك الحال بالنسبة لأساليب إدارة مشاريع تقنية المعلومات، ولذلك هناك حاجة متزايدة إلى تغيير النظام المتبع حالياً في إدارة التغيير، وابتكار أساليب أكثر مواءمة لإدارة هذا النمط من مبادرات التغيير تجمع بين نظريات التغيير المؤسساتية التقليدية ومفاهيم إدارة تقنية المعلومات الحديثة بحيث تحقق التوازن المفقود وتؤمن الفاعلية اللازمة لتحقيق النجاح.
جهود التغيير المبنية على تقنية المعلومات المبذولة محلياً قد تواجه صعوبات كبيرة في تحقيق أهدافها نتيجة لتعقيدات لا ترتبط بالضرورة بالتقنية ومتطلباتها، لكن بقضايا ذات أبعاد اجتماعية وثقافية على وجه الخصوص، وأرى، كما يرى كثير من المهتمين، أن عدم وجود استراتيجية واضحة لكيفية تحقيق التغيير يشكل أهم المعوقات التي تواجه المبادرات التي تسعى الدولة إلى تحقيقها ضمن خطط التنمية الوطنية.
ورغم أنه سبق أن صدرت توصيات تدعو إلى تخطيط وتنفيذ مشاريع لإدارة التغيير على جميع مستويات القطاعات الحكومية، إلا أن تنفيذ هذه المشاريع وفق أساليب إدارة التغيير المؤسساتية التقليدية قد لا يؤمن النجاح المطلوب لمبادرات التغيير الوطنية, كما تؤكد ذلك نتائج الدراسات السابقة، فنجاح مبادرات التغيير الوطنية يستدعي إحداث تغييرات جوهرية على مستوى الثقافة المحلية. هذه الثقافة لها خصائصها المتفردة، ويتطلب التعامل معها المعرفة المعمقة بطبيعتها وخصوصيتها وتعقيداتها وأبعادها وآليات عملها، ما يستدعي إجراء دراسات واسعة لاستيعاب أبعاد هذه الثقافة ومن ثم التعامل معها وفق أساليب التغيير الملائمة لمتطلباتها.
دراسة خصائص الثقافة المحلية ومدى استجابتها لمبادرات التغيير المبنية على تقنية المعلومات، ومن ثم تطوير أساليب مبتكرة لإدارة التغيير برؤية محلية يمكن أن يتم من خلال دراسة حالات مختارة من جهود التغيير المبذولة حالياً وتحليل وتقييم نتائجها، وقد تتم الدراسة من خلال برنامج وطني ينفذ في أحد مراكز الأبحاث في جامعاتنا الرائدة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي