وزارة الإسكان ومعالجة الخلل في المملكة

لقد كان القرار الملكي لدعم الإسكان بإنشاء 500 ألف وحدة سكنية محاولة للتعامل مع مشكلة نقص الإسكان في المملكة وعجز آليات السوق للتعامل معها بسبب انخفاض الادخار وارتفاع تكلفة المنازل وضعف سوق العرض. حيث تم تكليف هيئة الإسكان التي تم تحويلها إلى وزارة إسكان، والتي سبق دمجها بتوصية من لجنة التطوير الإداري قبل نحو خمس سنوات, بدور دراسة المستقبل وقدرة آليات السوق لتحقيق التوازن بين العرض والطلب والحاجة المستقبلية للوزارة. هذا الإلغاء والإنشاء في غضون سنوات معدودة وما تبعه من تكاليف اقتصادية نتيجة طبيعية لاعتماد القرار الحكومي على الأجهزة الحكومية وضعف الإنفاق على البحث والتطوير وانعدام مراكز التفكير الإبداعي (Think Tanks) المستقلة. على كل حال، أتوقع أن إنشاء وزارة أو جهاز حكومي يعالج خلل السوق في توفير السكن أمر ضروري تحتمه الظروف الاقتصادية. لكن عمل الوزارة والدور المنوط بها وآلية عملها ستحدد الفائدة منها والهدف الذي من أجله أنشئت.. ولذا هناك بعض الاعتبارات التي آمل أن تأخذها الوزارة الجديدة القديمة في اعتبارها.
أولا: المتوقع أن الوحدات السكنية التي ستوفرها الوزارة ستوجه لتلبية طلب فئة منخفضة الدخل في المملكة، والتي يجب أن تدمج مع بقية طبقات المجتمع لمنع نشوء مشاكل اقتصادية واجتماعية من تقسيم المجتمع حسب الدخل في أحياء أو مجمعات سكنية. فالمجمعات السكنية لمنخفضي الدخل قد تخلق بيئة خصبة لانتشار الجريمة وتعميق ثقافة الفقر. بينما دمجهم يسهم في احتكاكهم بفئات المجتمع الأخرى. كما أن ذلك يتيح لأبناء هذه الطبقة التعلم بشكل أفضل والاستفادة من الاحتكاك بأبناء الطبقات الاجتماعية الأخرى. إن الدمج بين الطبقات الاجتماعية يسهم في الاستقرار السياسي والاقتصادي.
ثانيا: يجب أن تعتمد استراتيجية الوزارة على تشجيع قطاع الإسكان من خلال دورها المطور لقطاع الإسكان بالتعاون مع صندوق التنمية العقاري (مقالة في الاقتصادية في 16/1/2008)، والأخير أقترح أن يكون منظما للسوق من خلال تقييم المطورين والمجمعات السكنية وتحفيز قطاع الإسكان بكل مستوياته لتحقيق التوازن. إن سوق الإسكان يعاني ضعف دور المطورين العقاريين، وجزء من الخلل في السوق هو هذا الضعف، لذا الوزارة الجديدة يجب أن تعالج كذلك خلل السوق الذي أدى إلى هذه الأزمة لتقلص الأسباب التي تؤدي إلى نشوء المشكلة في المستقبل. فإنشاء 500 ألف وحدة سكنية بتكلفة قد تبلغ 250 مليار ريال تشكل دفعة قوية لقطاع التطوير العقاري والمقاولات من خلال مشاركته في التنفيذ. ولضمان التنفيذ وجودة الأداء يفضل إنشاء شركة إدارة مشاريع شراكة مع القطاع الخاص وتحت إشراف الوزارة.
ثالثا: رفعت القرارات الملكية المتعلقة بالعقار الطلب الكلي على خدمات القطاع العقاري والذي يصعب تلبيته بالإمكانيات المتاحة حاليا, مما يؤدي إلى الضغط على المستوى العام للأسعار بسبب ارتفاع تكلفة الإحلال في ظل الموارد المتاحة، وإذا ترك الأمر لآليات السوق فإن ذلك سيقود إلى تأثير الطلب على الأسعار التوازنية لتقديم الخدمة ويحدث التوازن في الأجل الطويل، لكن في الأجل القصير ستتضرر دخول الأفراد الحقيقية من جراء هذا الخلل. فالتدخل الحكومي في هذه المرحلة ضروري لمعالجة الخلل في جانب العرض وذلك بقيام الوزارة بزيادة القدرات الإنتاجية في قطاع الخدمات العقارية وتحفيز المنافسة من خلال إنشاء شركة تطوير عقاري ومقاولات على أن تدفع جزءا من رأس المال ويطرح الجزء الآخر للمستثمرين والاكتتاب العام. ولضمان رفع كفاءة أداء الشركة فإنها يجب أن تدار بآليات القطاع الخاص وتستهدف التطوير العقاري لمجمعات سكنية بأحجام مختلفة على أن يتم طرح بعض الوحدات للبيع والآخر لتوفير الوحدات السكنية للوزارة كما أتى في الأمر الملكي. كما يجب أن تركز الشركة على تطوير آليات تخفض تكلفة البناء وتوفر الطاقة وذلك من خلال الإنفاق على البحث والتطوير كأحد أهم أهدافها طويلة المدى, إضافة إلى هدفها الأساسي في المساعدة على توفير السكن المطلوب.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي