«إلا الوطن».. وملاحظة!

حمدتُ للأخ الأستاذ والصديق والإعلامي "مفيد النويصر" أن تنبع من ضميره فكرة صفحة على الفيسبوك بعنوان "إلا الوطن". فما الحبُّ الحقيقي إلا للوطن، لترابه، ولما فوق ترابه، لسمائه وما تحت سماه.
وقبل أن أخوض في الموضوع عندي ملاحظة أرجو أن يتقبلها الحبيب "مفيد" والقائمون على الصفحة، وبرأيي أنها مهمة وجوهرية ليكتمل بهاءُ قصدِ واضعي الصفحة:
المقصدُ الأعلى للصفحة الدفاعُ عن الوطن وعن مكتسباته، عن أمان مَن عليه وعن مكتسباتهم، عن تلاحم الجدار الوطني بدون التعشش في شقوقه بتضييق الصدوع لا بإيغالها. لا نزايد على منشئي الصفحة بنيتها الصافية، ولكن أزعجني، ولا أود أن أغلف هذا الشعور بغلالة حريرية، أزعجني أن ترد كلمة مثل" ملايين الأجانب المندسين" وأن هؤلاء يريدون بنا شرا. كيل التهم لأي كان لا يجوز منطقا ولا حقا ولا عدلا، وتوصيف من يجاورونك ويعملون معك، ويتجولون في وطنك ويعملون على مرافقك الحيوية بذلك لا يجوز. إني أجزم أن ملايين الأجانب الذين يعملون على أرضنا يصونون أمن البلاد من أجل أمنهم، من منطق الحياة الكريمة ذاتها. وهناك مَن يفسر الوطن بأنه المكان الذي يجد فيه رزقه وكرامته وأمنه، وما جاء هؤلاء إلا ليعملوا وليسترزقوا، خرجوا من بلادهم طلبا لظروف أفضل لمعاشهم، لهم ولعائلاتهم. ومن هذا المسبِّبِ الحيوي فهم بالضرورة لا يريدون انقطاع الفرصة، وسيساهمون في الحفاظ عليها. إن وجد مندسون فذلك الشذوذ، وبالطبع يجب أن ننتبه إليه، كما ننتبه أن الشذوذ يأتي أيضا من أقرب الناس. "إلا الوطن" يعني كل مَن على تراب الوطن بلا تفرقة، وبمحبة تشمل الجميع.
لذا أتقدم بحكم مودتي وقربي ومعرفتي الأكيدة للقصد الأسمى في قلب مفيد وصحبه بأن يحذفوا كلمة "ملايين الأجانب المندسين"، وإلا شملت الجميع، وفرّغت الصفحة النيّرة من مقصدها الأسمى، وقللت من شعبيتها ليس بين غير السعوديين، بل حتى من السعوديين الواعين أنفسهم، بمجرد رفع هذه الجملة، كما أرى متيقنا، سيكتمل للصفحة كل معناها الذي تستحقه وقامت في الأصل من أجله.
هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى، يقول المثل: "لا يفل الحديدَ إلا الحديدُ"، والشاعر يتأوه: "وداوني بالتي كانت هي الداءُ"، مواجهة الشيء بجنسهِ أجدى للمواجهة، فصفحة على الفيسبوك أجدى بامتصاص عنفوان الحملات الفيسبوكية المضادة المحتملة. إن الواجهات غير الرسمية حين تُقابل بالأجهزة أو الواجهات الرسمية في كثير من الأحيان تكسب مساحة أكبر في مقتضيات المواجهة لمصلحتها، وتنتشر بقوة وتواتر أشد بين مؤيديها. عندما تكون المواجهة بين واجهتين غير رسميتين من ذات النوع، وذات الطبيعة، وذات التلقائية، وذات الوسيلة حينها يكون الفوزُ لمن يملك الحق الواضح، والمنطق القادر، والأدلة الشاهدة .. أي حملة على الفيسبوك أو على التويتر أو البي بي أو اليوتيوب، يجب أن تواجهها حملة مثيلة، إن رأى من رأى، أن تلك الحملات تحمل ضررا وتهديدا وخرابا.
إن الذي يشجعني على تأييد صفحة "إلا الوطن".. هو العنوان ذاته، لذا جئت برأيي حتى يتحقق. وأعتبر كل من يقيم بالوطن مواطنا، وله الحقوق وعليه الحقوق، وتجد بكل مكان في العالم مقيمين أكثر انضباطا من بعض المواطنين بدواعي الغربة والاسترزاق وطلب الأمان، وكثيرون ممن يقيمون في أوطانٍ غير أوطانهم قد يحملون حبا والتصاقا لوطن إقامتهم يوازي حبهم لأوطانهم الأصلية، بل ربما حتى يزيد، وانظر لمؤشرات وخطوط الهجرة عبر القارات كأكبر الأدلة، ألوفٌ من الطامحين لأوطان أو بلدان جديدة يموتون وهم يحاولون التسلل لبلدان كانت بما أملوا ستعطيهم واقع حياة أفضل. وإن كان هناك مندسون فهؤلاء ليسوا المقيمين بيننا، بل مَن أتوا فعلا للاندساس والتمزيق، وبالتالي هم كتائب حرب، كما أن مَن يحاول أن يخرب ويدس ويخون من مواطني أي أمة هم أيضا كتائب حرب .. لا فرق.
إن بزوغ الصفحة الجديدة لا يعني اكتمال المهمة، ولكنها تعطي معنى اكتمال الغاية. لذا لن يضير القائمين على الصفحة قبول الاقتراحات البناءة والخالصة الصدق في سبيل تحقيق الغاية. أعرف عن علاقة لصيقة أن الأعداد تتزايد، من أجل الغاية، وعندما نصلح أي عقبة في الطريق للغاية سنحفز سرعة الانسياب.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي