سعودة القطاع الخاص .. إيجاد أرضية مناسبة للعمل أولا
وجّه خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز بالإسراع في تقديم حلول لسعودة الوظائف. ولعلي أقدم بعض الاقتراحات لحل مشكلة سعودة القطاع الخاص عبر محاور عدة. أبدأها في هذا المقال بالحديث عن كيفية ضمان وجود أرضية مناسبة للعمل. فلنتفق ابتداءً بأن المقصود بسعودة القطاع الخاص ليست سعودة كل الوظائف بسعوديين لأننا في حاجة إلى الاستفادة من العمالة غير السعودية في بعض جوانب الحياة. ولعلي في بداية هذا المقال أن ألخص ما عمل إلى الآن في سعودة القطاع الخاص بأنها سياسة الجزرة والعصا. فالجوائز والتكريم لمن شارك في مشاريع السعودة والعصا والمنع من الاستقدام لمن لم يستجب. لكني لا أجد أننا عملنا سياسات عملية لتحفيز السعودي - المواطن - على تقبل العمل في القطاع الخاص مع أنه الهدف المقصود من العملية برمتها. فتحفيز السعوديين للعمل في القطاع الخاص يعني كيفية إيجاد أرضية مناسبة توفر لكل العاملين في القطاع الخاص حياة الكريمة. والحياة الكريمة ليست بالضرورة حياة رفاهية وإنما حياة توفر لكل سعودي عامل في القطاع الخاص متطلبات الحياة الأساسية من صحة ومسكن ومأكل.
فيجب علينا أن نتفق على أن القطاع الخاص هو المستهدف من عملية توظيف السعوديين. فالقطاع الخاص يجب أن يكون الحاضن لكل المقبلين على العمل من السعوديين. فخلق وظائف حكومية مهما بلغت أعدادها ستظل محدودة ولا يمكنها استيعاب الأعداد الكبيرة من المقبلين على العمل؛ لذا فإن استراتيجية العمل يجب أن تركز على القطاع الخاص وكيفية تحفيزه لاستيعاب السعوديين، خصوصا أن كل وظائف القطاع الخاص المشغولة بغير سعوديين والمقدرة بأكثر من 5.3 مليون فرصة عمل حقيقية للسعوديين. ولا يمكن تقديم حلول للسعودة في مقال واحد، لكني سأذكر عدة محاور في ثلاث مقالات تكون بمثابة مقدمات لحلول عملية يمكن ذكر تفاصيلها في مناسبات لاحقة.
فأولا: أشعر بتوتر كبير عندما يتحدث بعض كبار التجار عن السعودة وأنهم حريصون عليها تكرما وشفقة على الشباب العاطل عن العمل! التجار لدينا مثل بقية الناس فيهم الطيب والحسود والمخلص والمنافق والصادق والكاذب. كما أن شعار الوطنية من وجهة نظر بعض رجال الأعمال يعني فتح فيز الاستقدام على مصراعيها من أجل أن يتمكن التاجر السعودي من التنافس في الأسواق العالمية. ففي نظرهم أن نجاح التاجر في الأسواق العالمية يعني نجاحا للاقتصاد السعودي، ومن ثم فإن الواجب الوطني - من وجهة نظرهم - يحتم تسهيل تجارتهم (بما فيها الاستقدام) من أجل ضمان تنافسيتهم في الأسواق العالمية؛ لذا فربط الوطنية بتوظيف السعوديين قد يكون له معنى مختلف من جهة رجال الأعمال؛ لذا الاستجداء بالتجار فقط من أجل سعودة الوظائف قد لا تكون استراتيجية صحيحة.
ثانيا: يجب أن يكون لدينا وعي بطبيعة الشركات السعودية. فمثلا إحصائيات المؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية تقول إن أكثر من 88 في المائة من عدد العاملين فيها أقل من 20 عاملا؛ مما يعني أنها صغيرة الحجم. كما أن الإحصائيات تخبرنا بأن النمو الأكبر من الشركات والمؤسسات لدى هذه الشريحة (أكثر من 17 في المائة للشركات التي لديها أقل من خمسة موظفين وأكثر من 9 في المائة لدى الشركات التي لديها من 5 - 19 عاملا). مما يعني أن المؤسسات الصغيرة ستستمر بالنمو وتستمر سيادتها على القطاع الخاص؛ لذا فإن معظم مؤسسات أو شركات القطاع الخاص ليست مستقرة ماديا أو إداريا. وهذه القضية سأفرد الحديث عن كيفية التعامل معها في مقال الأسبوع المقبل لأهميتها.
ثالثا: يجب أن يكون لدينا وعي بطبيعة مؤهلات غير السعوديين في القطاع الخاص. فالإحصائيات تقول إن نسبة حملة شهادة البكالوريوس، والماجستير، والدكتوراه من غير السعوديين في القطاع الخاص لا يتجاوزون 5 في المائة - حسب إحصائيات وزارة العمل عام 2008؛ لذا فإن المشكلة تكمن في كيفية إعطاء السعوديين الباحثين عن العمل الفرصة لإثبات قدراتهم. فتأهيل السعوديين للعمل في القطاع الخاص يمكن القيام به أثناء مزاولتهم للعمل on Job training، خصوصا أن أغلب الوظائف المطلوبة للعمل في القطاع الخاص تتطلب تأهيلا مهنيا وليس أكاديميا.
هذه الحقائق تبين أننا في حاجة إلى أن نقلب المعادلة في عقل كل سعودي طالب للعمل من أن مميزات القطاع الخاص أفضل من مميزات القطاع الحكومي.
من أجل تحقيق هذه الأفضلية يجب عمل عدة سياسات، أولها أنه من الظلم أن يقارن السعودي بغير السعودي في ساعات العمل، خصوصا أن العامل غير السعودي ليس لديه التزامات أسرية ومالية كما لدى السعودي. فمثلا لا يستطيع أن ينافس السعودي للعمل في مغاسل الملابس لسبب بسيط أن العاملين غير السعوديين ينامون في المغسلة ويعملون فيها ويأكلون فيها. فثلاثة من الإخوة غير السعوديين يمكنهم أن يديروا مغسلة وبأرخص الأسعار في ظل محدودية دخلهم والتزاماتهم. فأدنى مستوى من المعيشة تكفي لهم مقارنة بمستوى المعيشة في بلدهم والتي قد لا يجدون فيها متطلبات الحياة الأساسية؛ لذا لا بد من تنظيم ساعات عمل القطاع الخاص، خصوصا قطاع التجزئة، الذي يشكل الشريحة الثانية بعد المقاولات من أعداد غير السعوديين حسب إحصائيات وزارة العمل.
وللحديث بقية..