الفرصة الأخيرة لإنقاذ محافظة جدة من الغرق (1 من 2)

بشفافية وصراحة متناهية، أوضح اللقاء التلفزيوني الأخير الذي أجراه التلفزيون السعودي (القناة الأولى) مع الأمير خالد الفيصل، أمير منطقة مكة المكرمة، وبث يوم السبت الموافق الخامس من شباط (فبراير) 2011، حول مشكلة سيول جدة الأخيرة، العوامل التي تسببت وللأسف الشديد في تكرار سيناريو الكارثة المأساوية، التي حلت بمحافظة جدة قبل نحو 14 شهراً، وتسببت في إزهاق أكثر من 100 روح بريئة، إضافة إلى ما تسببته في حدوث أضرار مادية كبيرة جداً بالممتلكات والمباني والطرقات.
قبل نحو أسبوعين تقريباً أو بالتحديد يوم الأربعاء الموافق 26 كانون الثاني (يناير) 2011، تكرر المشهد المأساوي ذاته الذي حل بالمحافظة، وكما أسلف قبل نحو 14 شهراً، عندما هطلت أمطار متوسطة إلى غزيرة على المحافظة، استمرت لعدد من الساعات، وسجلت أرقاماً قياسية غير مسبوقة من حيث حجم وكمية الأمطار التي هطلت على المحافظة، والتي تجاوزت الـ 150 ملليمترا في بعض المناطق والأحياء، محدثة بذلك أضرارا مادية وبشرية كبيرة، أسفرت وكما أشار إلى ذلك الأمير خالد الفيصل خلال اللقاء المذكور، عن وفاة عشرة أشخاص، إضافة إلى إحداث أضرار مادية كبيرة شملت نحو 90 في المائة من شوارع جدة، وشملت أيضاً أكثر من 25 ألف مبنى و2500 محل تجاري، وأكثر من 11 ألف مركبة، و80 مدرسة بنين و136 مدرسة بنات، علاوة على تسببها في انقطاع التيار الكهربائي عن 68 ألف مشترك.
من بين العوامل الرئيسة، التي تسببت في تكرار حدوث كارثة سيول جدة، وفقما أشار إليه عدد من المسؤولين في محافظة جدة في وقت سابق، وجود عدد كبير من العشوائيات بالمحافظة، التي يبلغ عددها نحو 50 حياً، والتي لا تتوافر فيها شبكة متكاملة من الخدمات الأساسية، مثل شبكات تصريف الصرف الصحي، وشبكات تصريف مياه الأمطار ومياه السيول، إضافة إلى وجود عدد من الأحياء والمساكن، التي تم بناؤها إما في بطون الأودية أو في مناطق كانت في الأساس مخصصة لمجاري السيول.
إن سوء التخطيط العمراني والإسكاني لمحافظة جدة منذ التأسيس والبدايات والنشأة، بما في ذلك قصر النظرة التخطيطية لدى القائمين على إدارة أمانة جدة، وبالذات فيما يتعلق بعدم القدرة على قراءة المشهد التنموي المستقبلي للمحافظة، والتعامل من منطلقه مع احتياجات جدة المستقبلية كثاني أكبر مدن المملكة، بما في ذلك عدم القدرة على التنبؤ بالتغيرات والمستجدات، التي كان يمكن لها أن تحدث في المستقبل، مثل التغيرات المناخية والزيادة المطردة في عدد سكان المحافظة وإلى غير ذلك من الأمور، قد تسبب في حدوث تلك الكارثة، كما أن عدم الالتزام بتطبيق المواصفات في تنفيذ المشاريع وطريقة عمل مقاولي الباطن، والتباطؤ أو التأخير في تنفيذ مشاريع البنية التحتية، قد ساهم إلى حد كبير في تفاقم حجم المشكلة.
البعض حمل مسؤولية حدوث الكارثة إلى البطء في اعتماد أو صرف الأموال الكافية لتنفيذ مشاريع البنية التحتية اللازمة للمحافظة، وإن كنت أنا بدوري أختلف تماماً مع ذلك الرأي، ولا سيما عند الرجوع إلى نص بيان وزارة المالية، الذي صدر عنها في وقت سابق، وأشار إلى أن حجم ما اعتمد للصرف على مشاريع الصرف الصحي في مدينة جدة قد تجاوز تسعة آلاف مليون ريال، والذي يعد الأعلى على مستوى المملكة، بما في ذلك مدينة الرياض والتي هي الأكبر من حيث المساحة والأكثر أيضاً من حيث عدد السكان، كما أن ما تم اعتماده لمشاريع تصريف مياه الأمطار ودرء أخطار السيول، قد تجاوز مبلغ 2.200 مليون ريال، وذلك خلال فترة الخطة الخمسية الثامنة فقط، والذي يعد هو الآخر المبلغ الأعلى على مستوى المملكة.
لتفادي تكرار حدوث مشكلة محافظة جدة الكارثية، أمر خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز آل سعود ـــ حفظه الله ـــ بتوفير التعزيزات بشكل عاجل للحد من هذه الأضرار، والرفع عن الجهات المقصرة وأيضاً عمن تأخر في تنفيذ الأوامر السابقة، إضافة إلى توجيهه باعتماد المبالغ اللازمة لتوفير الإمكانات والتعزيزات بشكل فوري، وأمره أيضاً أن تعمل الجهات المختصة ليلاً ونهاراً، إضافة إلى محاسبة كل من يتهاون في هذا الأمر الخطير.
كما وافق الملك على ما أوصت به اللجنة الوزارية المكونة بالأمر السامي الصادر بتاريخ 22/2/1432هـ، برئاسة الأمير نايف بن عبد العزيز، النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء وزير الداخلية، بتشكيل لجنة فرعية تحت إشراف سموه، وتكون برئاسة أمير منطقة مكة المكرمة وعضوية كل من وزير الشؤون البلدية والقروية، ووزير المالية، ووزير المياه والكهرباء، ووزير النقل، والتي تنحصر مهامها في القيام بالتالي:
1 ـــ إقرار الدراسات ومتابعة تنفيذ المشاريع، وأن تفوض بترسية المشاريع والإشراف على تنفيذها وذلك استثناء من أحكام نظام المنافسات والمشتريات الحكومية.
2 ـــ تكليف الجهات المختصة بالعمل فوراً على تشكيل لجان حصر الأضرار وتقديرها ليصار إلى صرف التعويضات العادلة للمتضررين في أسرع وقت ممكن.
3 ـــ أن تكون الجهات الحكومية ذات العلاقة على أهبة الاستعداد للتعامل مع الحالات الطارئة ودعم جهود الدفاع المدني بشرياً وآلياً، بما يضمن تقديم الأعمال الإغاثية الفورية وتوفير أماكن للإيواء.
4 ـــ أن تتولى اللجنة تكليف مكتب (أو مكاتب) استشارية عالمية متخصصة في دراسة تصريف الأمطار والسيول والبنية التحتية للأحياء العشوائية، بما في ذلك ما تبقى من مشاريع الصرف الصحي في محافظة جدة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي