ما وراء الخصومات الكبيرة بين أسعار تداول خام غرب تكساس الوسيط وبرنت؟

الخام الأمريكي القياسي المعروف بخام غرب تكساس الوسيط WTI كان يتداول في السابق بفارق دولار إلى دولارين للبرميل أكثر من نظيره الأوروبي خام برنت Brent، لكن الأسواق العالمية للنفط لم تعد واثقة في أن هذه القاعدة العامة صحيحة دائما. حيث إن في السنوات الأخيرة، شهد سعر خام غرب تكساس الوسيط تراجعا عن الخام الأوروبي من وقت إلى آخر. أحدث تراجع كبير شهده كان مع بداية العام الحالي، عندما بلغ خام برنت ذروته وتم تداوله بأكثر من 12.0 دولار للبرميل الواحد عن نظيره الأمريكي.
حيث أدت الوفرة الكبيرة في مخزون النفط الخام في مركز التخزين في كوشينج Cushing في ولاية أوكلاهوما، وارتفاع التداول ودخول المستثمرين والمضاربين إلى سوق خام برنت في بحر الشمال بصورة كبيرة، إلى ارتفاع قياسي في سعر تداول عقود برنت للأشهر الآجلة، مقارنة مع أسعار تداول عقود خام غرب تكساس في سوق نايمكس.
هذه الفجوة الاستثنائية وغير المسبوقة بين أسعار خام غرب تكساس الوسيط وخام برنت، التي وصلت إلى 12 دولارا للبرميل الواحد تعتبر واحدة من السمات الرئيسة لأسواق النفط لهذا العام حتى الآن. وبطبيعة الحال أثارت هذه الفجوة تساؤلات كثيرة على مدى قدرة العقود الآجلة للنفط الخفيف في سوق نايمكس، والمتمثل بخام غرب تكساس الوسيط، على تمثيل أسواق النفط العالمية.
أحد عوامل الجذب الرئيسة لخام برنت للمستثمرين في العقود المستقبلية هو كون هيكل الأسعار لخام برنت كان حتى هذا الأسبوع في حالة تدعى ''التراجع'' Backwardation، بمعنى أن أسعار الشهر الفوري هي أعلى من أسعار الأشهر اللاحقة، هذه الحالة ألغت تكاليف التمديد الشهرية للعقود التي يتكبدها خام غرب تكساس الوسيط في نايمكس؛ كون هيكل الأسعار للخام الأمريكي القياسي في نايمكس حاليا في حالة تُدعى ''كونتانجو'' – Contango، بمعنى أن الأسعار المستقبلية (الآجلة) أعلى من الأسعار الفورية. لكن هذه الميزة تعتبر ثانوية، حيث إن السوق لخام بحر الشمال واقعة تحت تأثير ضغوط من تدفق واردات نفطية منافسة له يتم تداولها بخصومات كبيرة مقارنة مع مزيج برنت. وفي الوقت نفسه، ارتفاع سعر مزيج برنت قد حدد من صادرات النفط ذات الصلة بخام برنت، بصورة رئيسة من غرب إفريقيا إلى شرق آسيا.
حتى في السوق الأوروبية، فقدت المصافي الأوروبية الكثير من إقبالها على تخزين النفط منذ نهاية موجة البرد الأخيرة. هذا إلى جانب تباطؤ في التعاملات التجارية؛ ما أدى إلى تحول العقود الآجلة لشهر آذار (مارس) ونيسان (أبريل) مرة أخرى إلى حالة ''كونتانجو'' – Contango، حيث الأسعار المستقبلية (الآجلة) أعلى من الأسعار الفورية. خام برنت كان تقليديا وسيلة للتحوط من قبل المتعاملين في أسواق النفط المادية Physical oil traders، على الرغم من جذبه للمستثمرين والمضاربين في التعاملات الورقية paper traders. لكن زيادة التدفقات الاستثمارية قد تكون مصدر قلق؛ نظرا إلى محدودية عقود النفط المادية المتوافرة للتداول. على الرغم من أن خام برنت يملك ميزة الانفتاح على الأسواق العالمية مقارنة مع خام غرب تكساس الوسيط المحصور في منطقة كوشينج Cushing المغلقة، إلا أن العقود الآجلة لا تزال عرضة للتلاعب. على سبيل المثال في حالة قيام أي جهة بعملية شراء كبيرة من السوق الفعلية لخام برنت، فإن عملية الشراء هذه ستؤدي إلى ارتفاع الأسعار في عقود برنت النقدية التي تنهي صلاحيتها خلال 21 يوما المقبلة.
إن ارتفع تداول مزيج برنت إلى أكثر من 12 دولارا للبرميل الواحد عن نظيره الأمريكي، والتغييرات الأخيرة في ديناميكيات العقود الآجلة الأكثر سيولة في العالم، برنت وغرب تكساس الوسيط، يمكن أن يؤثر في أسواق النفط العالمية بعدة طرق مختلفة.
يما أن أسواق النفط العالمية تشهد في الوقت الحاضر وفرة في إمدادات النفط الخام، هذه الوفرة أدت إلى اتساع ''كونتانجو'' – Contango لخام تايمكس، حيث إن أسعار عقود نايمكس تسليم الأشهر المستقبلية (الآجلة) أعلى من أسعار عقود الشهر الفوري؛ ما يوفر إمكانية للمستثمرين لتخزين النفط اليوم وبيعه في المستقبل. لكن اتساع ''كونتانجو'' – Contango، قد أضر في الوقت نفسه ببعض صناديق الاستثمار وغيرها من المحافظ الاستثمارية الطارئة التي تتعامل بتجارة السلع، حيث تخسر هذه المحافظ تكاليف التمديد الشهرية لعقود خام الشهر الفوري المنتهية صلاحيتها لتجنب تسليم عقود النفط الخام المادية المستحقة.
إن سوق النفط لخام برنت أكثر إحكاما Tighter، حيث إن إنتاج النفط من بحر الشمال آخذ في الانخفاض، ما ترك السوق الآجلة لخام برنت عرضة أكثر إلى ضيق في ''كونتانجو'' – Contango وفي أحيان كثيرة تدخل السوق الآجلة لخام برنت في حالة ''التراجع'' Backwardation، وهو الوضع الذي يتم تسعير أسعار عقود الشهر الفوري أعلى من أسعار عقود الأشهر اللاحقة. هذا الوضع أعطى للمستثمرين الماليين في العقود الآجلة للنفط حافزا قويا لتحويل أموالهم إلى عقود خام برنت الآجلة.
ارتفع مخزون الخام في الآونة الأخيرة في مركز التخزين في كوشينج Cushing بولاية أوكلاهوما، نقطة التسليم لعقود خام نايمكس، إلى مستويات قياسية بلغت أكثر من 37 مليون برميل. ولكن هذا الخام محصور في منطقة كوشينج Cushing المغلقة وغير الساحلية، الممر الوحيد هو نقلها إلى مصافي التكرير في منطقة الغرب الأوسط الأمريكي والتي لديها بالفعل الكثير من مخزون النفط الخام؛ كون الاقتصاد الأمريكي لا يزال بطيئا.
المخزون النفطي في مركز التخزين في كوشينج Cushing من المحتمل أن يستمر في الارتفاع، حيث من المتوقع أن تزداد طاقات التخزين هناك من نحو 56 مليون برميل حاليا إلى 71 مليون برميل في غضون السنوات القليلة المقبلة. مع نمو كميات النفط الخام القادمة من كندا عبر خطوط الأنابيب الجديدة إلى مركز التخزين في كوشينج Cushing، يتوقع بعض المتابعين أن تستمر الخصومات المتكررة بين خام غرب تكساس الوسيط وخام مزيج برنت إلى أجل غير مسمى.
كميات المخزون النفطي المتزايدة في مركز التخزين في كوشينج Cushing تسببت أيضا في قيام المنتجين على البحث عن طرق لنقل النفط الخام إلى ما بعد كوشينج، بما في ذلك احتمالية بناء خطوط أنابيب لنقل النفط الخام الكندي إلى أسواق بديلة، أو إلى ساحل الخليج الأمريكي، حيث مركز التكرير الرئيس للولايات المتحدة. هناك مقترحات لمشاريع خطوط أنابيب عدة من شأنها أن تخفف الضغط على منطقة كوشينج، لكن لا شيء من المقرر أن يتم إنجازه في القريب العاجل.
خامات غرب إفريقيا التي تعد مصدرا رئيسا لواردات بعض المصافي في ساحل الخليج الأمريكي يتم تسعيرها على أساس خام برنت القياسي، هذا الأمر جعل أسعار النفط الخام القادمة من غرب إفريقيا أكثر تكلفة. وقد أدى هذا بدوره إلى زيادة الطلب على النفط الخام المنتج في الولايات المتحدة، الذي أدى إلى ارتفاع الأسعار لتلك الخامات أيضا.
الخصومات الكبيرة لعقود خام نايمكس مقارنة مع أسعار عقود نفط خام برنت حفزت موجة جديدة من الانتقادات على عقود النفط الخام الأمريكي ودفعت المستثمرين لاتخاذ خطوات باتجاه منافسه من بحر الشمال. خام برنت له عيوبه هو الآخر، لكن ينظر إليه حاليا على أنه أكثر تمثيلا للسوق العالمية.
بينما يعد خام نايمكس تقليديا من أكثر الخامات تداولا في العقود الآجلة للنفط، خام برنت هو يعتبر معيار التسعير المفضل لثلثي عقود النفط الخام التي يتم تداولها بصورة حرة في العالم. سيتعاظم هذا الدور مع تنامي أهمية أسواق الصين والأسواق الآسيوية الأخرى، في المقابل يتم التركيز القوي على خام غرب تكساس الوسيط في حوض المحيط الأطلسي.
مع تراجع الإنتاج من حقول بحر الشمال، مطلوب إضافة المزيد من كميات النفط الخام الجديدة المشابهة إلى مزيج، كما يمكن أيضا تعديل تاريخ انتهاء صلاحية العقود الآجلة.
لكن فيما إذا انخفض المخزون النفطي في مركز التخزين في كوشينج Cushing خلال عام 2011، وتسطح ''الكونتانجو'' – Contango لخام غرب تكساس الوسيط، وفي الوقت نفسه المناورة في المخزون قد تعمل على إزالة ''التراجع'' Backwardation من عقود خام برنت الآجلة. تأثير هذه العوامل مجتمعة ممكن أن تعمل على تقليل الفجوة بحلول نهاية عام 2011.
مما تقدم يمكن الاستنتاج بأن من غير المحتمل أن يستعيد خام غرب تكساس الوسيط تفوقه بصورة مستمرة ودائمة على مزيج برنت؛ حتى يتم إضافة خطوط أنابيب جديدة لفك الاختناقات من سوق الوسط الأمريكي، ليس من متوقع حدوث ذلك في القريب العاجل.

تنويه: المقال يعبر عن رأي الكاتب الشخصي وليس بالضرورة يمثل رأي الجهة التي يعمل فيها.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي