التمويل الإسلامي وتحقيق الأمن الاقتصادي

إن استثمار الموارد الطبيعية والكوادر البشرية المؤهلة في الدول الإسلامية وتوظيفها التوظيف الأمثل، سوف يمكن الأمة الإسلامية من الوقوف أمام التكتلات الاقتصادية الكبرى ويمكنها من تحقيق الأمن الاقتصادي، حيث إن العالم الإسلامي في مرحلة يجب أن يركز فيها على تعزيز صور التضامن وتقوية روابط التعاون في مجالات التقنية والتكنولوجيا، لأن ذلك من الأمور المهمة والأساسية في المحافظة على مصالح الأمة الإسلامية، وذلك لربط اقتصادات الدول الإسلامية مع بعضها بعضا لتحقيق الأمن الاقتصادي.

ويتطلب تحقيق ذلك التركيز على الأمن الاقتصادي وتأمين دخل ثابت للفرد المسلم ليوفر لنفسه وأسرته ومجتمعه الأمن الغذائي والصحي والعلمي، حيث إن الأمن الاقتصادي مرتبط بالعمل، فيمكن القول إن الأمن الاقتصادي هو شعور الناس بالحاجة للعلم والمعرفة والأمن، وهذا يتحصل من خلال قدرة الدولة الإسلامية على تأمين وتوفير حاجات الناس من عمل وسكن ومعيشة وصحة وتعليم ليشعروا بالقناعة والعدل.

لا شك أن التغيرات الأخيرة نتيجة الأزمة المالية العالمية التي شهدها الاقتصاد العالمي في السنوات الماضية من خلال تراجع مستويات النمو الاقتصادي، لم تنجُ منها أي دولة من دول العالم وخاصة الدول الإسلامية، وعلى الرغم من كل هذه الآلام التي سببتها الأزمة المالية العالمية على الصيرفة الإسلامية، وخصوصا على أولئك الذين لم يراعوا أصول المهنة، سواء الشرعية منها أو القانونية منها أو الإدارية وغيرها، وعلى أصول الصناعة المصرفية، أو على أولئك المستفيدين منها دون الاهتمام بأساسياتها وبتبعاتها، أن يعيدوا النظر في أنفسهم وفي التعامل مع المصرفية الإسلامية.

وفي إطار ذلك يكون المفهوم الشامل للأمن الاقتصادي هو القدرة التي تتمكن معها المجتمعات من الاستمرار والانطلاق نحو المستقبل وتهيئة الظروف المناسبة التي تكفل الحياة المستقرة للأفراد وفق القوانين والأنظمة التي تكفل توفير أسباب العيش وتلبية الاحتياجات الأساسية ورفع مستوى الخدمات لهم، وخلق فرص عمل لمن هو في سن العمل، وتطوير القدرات والمهارات من خلال برامج التعليم والتأهيل والتدريب، وفتح المجال لممارسة العمل الحر في إطار التشريعات والقوانين المتوافقة مع الشريعة الإسلامية ومتطلبات الحياة الراهنة.

ويمثل الأمن الاقتصادي لدى كثيرين امتلاك ما يكفي من المال تلبية لحاجاتهم الأساسية من الغذاء، والمسكن، والرعاية الصحية، والتعليم وفرص العمل. ولا شك أن ما ذكر يؤدى إلى استغلال الموارد ورفع مستوى النشاط الاقتصادي وتوفير مزيد من فرص العمل والقضاء على الفقر والبطالة من خلال استغلال الموارد المالية وتحقيق التكامل بين الخبرات المصرفية ورأس المال. لذا يجب أن يكون هناك قانون واضح وتشريع مفصل يحدد طبيعة عمل المنتجات الإسلامية والتمويلات المالية التي يتم طرحها، نظراً للحاجة التي يبديها بعض التجار والأشخاص المحتاجين للسيولة في تسيير أعمالهم، وهو أمر جيد في ظل التشريع الإسلامي الذي يشارك في الربح والخسارة. ويجب على هذه التشريعات أن تضم أفضل الممارسات والمنتجات التي يتم استخدامها من قبل المشرعين، لذلك فمن الضروري وضع معايير لصيغ التمويل الإسلامي حتى نجعلها أكثر جاذبية للمستثمرين لتحقيق الأمن الاقتصادي.

إن المصرفية الإسلامية قادمة بقوة بما تقدمه من منتجات وآليات مبتكرة جديدة وبحضورها القوي في الاقتصادات العالمية الحديثة، حيث نجحت المصرفية الإسلامية في توطيد قدميها بقوة سواء على المستوى المحلي في الدول الإسلامية أو على المستوى الدولي في العالم، كما أنها تقدم هيكلاً مالياً أفضل من الناحية الاقتصادية، لتكون البنوك الإسلامية دائماً قادرة على تلبية اهتمامات العملاء فيما يتعلق بالتمويل الإسلامي، كما أنها تطرح عديدا من البدائل أمام العميل، مما يفسح المجال لأكثر من صيغة تمويلية.

ومن هذا المنطلق فإن هيكل التمويل الإسلامي سيكون هو الأبرز في الفترة المقبلة على حساب هيكلة التمويل التقليدي، الذي يعتمد في الأساس على سعر الفائدة، ويعد نظام المصرفية الإسلامية أكثر استقراراً نظراً لأنه يقوم في الأساس على مشاركة المخاطر حيث تقسم المخاطر بين المودعين ورأس مال البنك. ويتوقع أن تصبح المصرفية الإسلامية البديل الأنجح لنظام المصرفية التقليدية من ناحية تحقيق الاستقرار، فضلاً عن الكفاءة. ولتحقيق هذا يجب توافر عملية تنظيمية وإشرافية دقيقة مع وجود مستويات إدارة مخاطر مقبولة دولياً، إضافة إلى التحديات التي تواجهها في السنوات المقبلة، لتحقيق النمو المستدام وتحرم الشريعة الإسلامية المعاملات المالية والاقتصادية التي تقوم على الكذب والتدليس والاحتكار والاستغلال والجشع والظلم وأكل أموال الناس بالباطل، لأن النظام المالي والاقتصادي الإسلامي يقوم على القيم والمثل والأخلاق والأمانة والمصداقية والشفافية والتعاون والتضامن، وتعد هذه المنظومة من الضمانات التي تحقق الأمن والاستقرار لكل المتعاملين مع المصارف الإسلامية في تحقيق الأمن الاقتصادي. ويفترض من المصارف الإسلامية الدخول إلى مجتمع المعلومات والتكنولوجيا والمعرفة، ولن يكون ذلك ممكناً إلا بتحويل الاتصال والتقنية والتكنولوجيا إلى أنشطة اقتصادية عن طريق توفير خدمات وأسواق مصرفية إسلامية جديدة وخفض التكاليف، حيث سهلت التجارة الإلكترونية بيع البضائع دون وسيط إلى عملاء المصارف الإسلامية، وتوفير المعلومات التي لم تكن متاحة من قبل مثل الإنترنت وغيرها من وسائل الاتصال والتقنية، للوصول إلى زيادة الإنتاج في جميع قطاعات الاقتصاد، وتحقيق الرفاهية والنفع على جميع المسلمين.

هنا فإن المسلمين مطالبون بإيجاد أدوات ومنتجات استثمارية عالمية ترافقها أدوات وخدمات إسلامية مقبولة لدى الجميع، فقبل إصدار قرارات التحريم على أي من الأعمال والمنتجات المصرفية يجب على المسلمين إيجاد البدائل الشرعية التي يمكن أن تكون قابلة للتطبيق في الأسواق المالية الإسلامية والعالمية، ويتعرفوا على أدق تفاصيلها وتجنب آثارها الضارة عليهم وعلى أسواقهم والسعي إلى الابتكار وإجراء البحوث والدراسات التي يتم بموجبها الحصول على أدوات ومنتجات وخدمات إسلامية حقيقية متوافقة مع الشريعة الإسلامية لتنمية الأمن الاقتصادي في جميع بلاد المسلمين، ولله الموفق.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي