عدم المبالاة والتفريط في الأنفس البريئة

ستسألون ثم سوف تسألون عن عدم المبالاة والتضحية بأرواح أبنائكم وعوائلكم وتسببكم في خسارة أرواح غيركم. نستخسر بضعة ريالات لا تتعدى 20 ريالا لتركيب جهاز لينذرنا عن الحريق أو غاز أول أكسيد الكربون الخانق، الذي يودي بحياة الكثيرين وخاصة في الشتاء مع تشغيل الدفايات أو المواقد. في كل عام أنادي بمنع تلك الحوادث عن طريق تركيب تلك الأجهزة الصغيرة والسهلة الاستعمال. مجرد قطعة إنذار صغيرة تركب في السقف أو حتى على كاونتر المطبخ. فقط تشتريها من محال السلامة والبقالات الكبيرة. وهي جهاز يعمل ببطارية صغيرة ويبقى لسنوات دون أن يتعطل. الشيء الوحيد هو أنك يجب أن تفحصه كل أربعة أشهر. وهو مثل التبرع لوجه الله وأرخص من حرصنا على وضع السواتر عن الجيران أو زرع الأشجار في الحديقة. إنه ضرورة.
أقف اليوم متسائلاً بالرغم من تبني الموضوع مع كل من أراه أو أكتب له إلا أنني لا أجد تجاوباً لا أدري لماذا لا نقوم بذلك ولا أدري لماذا لا تقوم الدولة بجعله نظاما إلزاميا. إن عجزنا عن الفهم الصحيح لمعاني الشريعة الإسلامية واعتقادنا الخاطئ أن القضاء والقدر لا يمكن العمل على محاولة تلافيه أحيانا. فالله ـــ عز وجل ـــ أمرنا بالعمل وفعل الأسباب لأنه سيرى عملنا كما أمرنا ألا نلقي بأنفسنا إلى التهلكة. ونحن نستخسر ريالات قليلة لوضع بعض أجهزة الكشف عن الحريق في منازلنا وأجهزة الكشف عن أول أكسيد الكربون الذي خنق حياة عوائل بأكملها أو أجهزة الإنذار للمسابح، التي ذهب ضحيتها الكثير من الأطفال. نعم إننا مهملون و''سنسأل'' عن هذا الاستهتار، خاصة أن هذه الأجهزة هي أجهزة رخيصة لا تتعدى عشرة ريالات للجهاز الصغير وسهلة التركيب وتعمل ببطارية مثل بطارية الريموت كنترول واستعمالها أسهل منه، ولا تحتاج إلى عناية لعدة سنوات. فهل نستخسر 20 ريالا على حياة أبنائنا وأقاربنا. نحن نتصدق على الغير بأكثر من ذلك فلماذا لا نتصدق على فلذات أكبادنا.
إن عدم المبالاة الذي أمات قلوبنا لشيء محزن ونحن نتصدق على الآخرين قبل أن نزكي أنفسنا. فمن منا اليوم يضع هذه الاحتياطات الأمنية في منزله أو عمله؟!
إن هذه الاحتياطات كثيرة ولكن لا بد على الأقل من تواجد بعضها. وهناك على الأقل ثلاثة أشياء مهمة يجب التأكد من وجودها في منازلنا وهي:
• أجهزة الكشف عن الحريق والحماية منه: وتشمل أجهزة الكشف عن الدخان والحريق وأجهزة الكشف عن أول أكسيد الكربون لمنع الموت خنقاً بهذا الغاز. ثم أنظمة وأجهزة إطفاء الحريق التي تبدأ من نظام الرشاشات المائية والغازية إلى طفايات الحريق اليدوية والتي هي ضرورية للمنازل والسيارات. والأهم هو وجود مخارج للحريق بدلاً من إقفال الشبابيك العلوية بالحديد وبذلك لا يستطيع أهل المنزل الهرب من الحريق مما يؤدي إلى وفاتهم خنقاً قبل أن يحترقوا.
• تعليم وسائل الإسعاف السريع (CPR): وهي أهم الأشياء التي يجب على جميع أفراد الأسرة تعلمها لإنقاذ حياة من حولهم مثل طريقة إسعاف السكتة القلبية والغرق أو انسداد البلعوم أو لسعة الثعابين السامة. ويوجد لدى الكثير من المستشفيات في المملكة جهاز فني مستعد لتعليم أفراد العائلة تلك الوسائل البسيطة ولكنها في غاية الفائدة والأهمية لإنقاذ حياة أبنائنا. لأن كل دقيقة تأخير في وصول المريض للمستشفى تؤدي إلى الوفاة الدماغية. بينما بعض الحالات الإسعافية مثل الضغط (الهز) على منطقة القلب في حالات السكتة القلبية أو الضغط من الخلف على منطقة البطن في حالات الاختناقات، حركات بسيطة وسهلة لإنقاذ حياة إنسان فلماذا لا نحاول تعلمها؟
• مواد الإسعاف الأولية (صيدلية المنزل): وهي مجموعة من الضمادات ومضادات السموم وأدوية التعقيم والتطهير والمسكنات للألم وغيرها. ويمكن سؤال أي مستشفى قريب منك لمعرفة ما يجب أن تحتويه صيدلية منزلك.
لقد ذهبت حياة أبناء العديد منا جراء تماس كهربائي أو وقوع مبخرة على الأرض فلو كان هناك جهاز إنذار بسيط لأمكننا الكشف عن الحريق في بدايته وتلافيه خاصة إذا كانت هناك طفاية حريق ولو صغيرة. وكذلك الحال لبعض حالات الحريق البسيطة لبعض السيارات، التي دون وجود طفاية حريق تحترق السيارة كلها وأحياناً معها أهلها. فلماذا هذا الإهمال؟ وإذا كان صاحب المسكن لا تهمه حياته فما ذنب جيرانه أو إذا كان في شقة ولا تهمه حياته وحياة أسرته فما ذنب بقية سكان العمارة أو المنازل الملاصقة له؟
أعلم أن الدفاع المدني لا يوافق على معظم المباني التجارية والسكنية إلا بعد تأكدها من مطابقتها وسائل الأمن. ولكن أين الرقابة الدورية وما العقوبات؟ إن حياة الإنسان أغلى بكثير من تكاليف زهيدة للحماية من الحريق. كما أن المنازل والشقق السكنية لا يوجد عليها أية ضوابط للتقيد بتعليمات السلامة والأمن من الحريق.
وطبعاً في غياب أو وجود ولادة متعسرة لكود البناء السعودي والذي من المفترض أن يضع حدودا لهذه الكارثة فإنه من الأفضل أن تقوم الأمانات بفرض وسائل الكشف عن الحريق والدخان وأول أكسيد الكربون على كل منزل أو وحدة سكنية وأن يتم وضع زيارات دورية وعقوبات صارمة على من لا يتقيدون بذلك.
كما أهيب بوزارة التربية والتعليم بالتعاون مع الدفاع المدني لزيارة المدارس والجامعات والمؤسسات لعقد محاضرات ودورات تعريفية لوسائل الإسعاف الأولي الذي هو من أهم ما نهديه لمجتمعنا للمحافظة على أرواح الجميع.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي