Author

التسول بالأطفال .. عنف ضدهم وجريمة

|
يتكرر مشهد تسول الأطفال والتسول بهم من مكان إلى آخر، حيث أصبح هذا مألوفا، وقد لا يحرك ساكنا لدى من ينظر للموقف من زاوية التعاطف الشخصي مع المتسول طفلا كان أو كبيرا؛ بينما هناك ما يخفيه هذا المشهد، فالواقع أن الطفل ضحية يتم تسخيره لإرادة غيره في تحريك العواطف وإثارة مشاعر الشفقة من أجل غرض مادي بحت وهو تحصيل المال من الآخرين، وعلينا أن نتصور المعاناة النفسية التي يعيشها الطفل من إخضاعه للتسول وقضاء ساعات طويلة متنقلا بين الشوارع والأسواق وإشارات المرور منفردا أو مع من يوجهه لجمع المال، مما يفقده الإحساس بكرامته وإنسانيته. إن حقوق الإنسان، بل حقوق الطفل في المواثيق والأعراف الدولية والقوانين الوطنية، وفي حدها الأدنى ترفض كل صور الاستغلال ضد الطفولة والأطفال، كما أن وصف مثل تلك الصور المشينة من الاستغلال لا يمكن أن يقل عن إطلاق لفظ الجريمة في حق الطفل ومستقبله، بل في حق المجتمع الذي يتألم كثير من أفراده لهذه المشاهد الغريبة عن تقاليد وعادات المجتمع السعودي، والبعيدة كل البعد عن تعاليم الدين الإسلامي الذي ينظر إلى ذلك الاستغلال على أنه أقرب ما يكون إلى أخذ المال بطريقة غير مشروعة، فهي محرمة وضمن دائرة السلوك غير الأخلاقي، فالغاية لا تبرر الوسيلة أبدا، مهما كانت ظروف من يقوم بالتسول أو يرتب له. لقد تزايدت هذه الظاهرة في الآونة الأخيرة، خصوصا في ظل ما أصاب بعض الأسر من صعوبة في ظروف المعيشة، وتعدد في الالتزامات المالية لرب الأسرة، إلا أن الصورة تكتمل إذا علمنا أن هناك سوقا للتسول يمارسه بعض الممتهنين يسخرون فيه أطفالا أبرياء لأغراضهم الشخصية، يساعدهم في ذلك وجود تهريب للأطفال من دول مجاورة لهذا الغرض، أما ما يمكن أن يوجد من صور الاستغلال لهؤلاء الأطفال فهو مجال واسع، حيث تنعدم الحماية للطفل، ويكون جسده ميدانا لأنواع من الجرائم الأخلاقية وغير الأخلاقية، بل قد تصل إلى بيع الأعضاء البشرية والمزايدة على فرصة التسول بطفل يعزز مكاسب التسول. ومكافحة التسول إذا كانت مهمة ووظيفة لجهاز مختص بهذا الشأن البالغ الحساسية، فإن ما يضاعف هذه المهمة أن ظاهرة العنف الأسري أصبحت من الوقائع اليومية التي تصل إلى الآذان أخبارها السيئة، وبمختلف الوسائل، وهذا يعني أن التحرك في غاية الأهمية إذا ما كان هناك حالة أو حالات مشاهدة، ويمكن ضبطها من خلال الأجهزة المختصة بضبط الجرائم والمخالفات أو حالات الاشتباه التي تظهر في حالات منها استخدام الأطفال في التسول، الذي قد يكون من أحد الوالدين، وهو أخف الأضرار المتوقعة رغم فداحته إلا أنه في حالات كثيرة يكون من غير الوالدين، وهو صورة واضحة لجريمة يجب فيها التحقيق ومعرفة الملابسات التي يخفيها وجود طفل مع غير أبويه أو أحد أفراد أسرته. ومن المؤكد أن لحقوق الإنسان دورا في المساعدة من أجل القضاء على هذه الظاهرة التي يجب التصدي لها بإبلاغ الجهات المختصة بالقبض والتحقيق في مكافحة الجريمة مع توسيع دائرة المشاركة في جهود المكافحة لتشمل هيئات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وغيرها من جهات الضبط، التي ستساعد دون أدنى شك على خفض استخدام الأطفال في الأماكن العامة والأسواق والشوارع، فهذه الظاهرة مسيئة للمجتمع، وتعني وجود ثغرات قانونية في حماية الطفولة، بل قد تعني أن ذلك لا يحرك ساكنا في المجتمع ما دامت هذه الظاهرة لم تختف تماما من المشهد اليومي.
إنشرها