مصطلح «حرب العملات».. اخترعه البرازيليون وتبناه العالم

مصطلح «حرب العملات».. اخترعه البرازيليون وتبناه العالم

شهد العام الماضي 2010 توترات وأزمات عدة على الصعيد المالي مثل ''حرب العملات'' والخلافات حول أسعار صرف الدولار الأمريكي واليوان الصيني والمخاوف على مستقبل اليورو، عكست الهوة المتزايدة بين اقتصادات الدول المتطورة المأزومة واقتصادات الدول الناشئة المستمرة في تحقيق نمو.
وكان وزير المالية البرازيلي جيدو مانتيجا أول من أطلق تسمية للأزمة حين قال في نهاية أيلول (سبتمبر) ''نعيش اليوم حرب عملات دولية، تخفيضا معمما لأسعار العملات''. وانتشر بعد ذلك تعبير ''حرب العملات'' وأطلق على العديد من الخلافات المبيتة بين قادة اكبر القوى الاقتصادية في العالم، الدول الأكثر تصديرا مثل الصين وألمانيا واليابان والدول الطامحة إلى تصدير المزيد مثل الولايات المتحدة ودول منطقة اليورو.
وأهم قرار خلال العام في هذا الصدد كان قرار البنك المركزي الصيني السماح لسعر اليوان بالتقلب ضمن هامش أكبر قبيل قمة مجموعة العشرين في تورونتو في كندا في حزيران (يونيو)، غير أن مفاعليه كانت متفاوتة.
وهذا القرار لم يوقف انتقادات البرلمانيين الأمريكيين الذين يشنون هجوما حادا على بكين بهذا الشأن.
وقال السناتور تشارلز شومر الذي يسعى إلى استصدار قانون يتيح الرد بإجراءات تجارية ''وحدها تشريعات قوية سترغم الصينيين على التغيير وستوقف هروب الوظائف والثروات خارج أمريكا''.
غير أن الصين المحصنة بنسبة نمو قدرها 10 في المائة تندد بـ ''الضغوط الخارجية''، وقال الرئيس هو جينتاو إن سياسة بلاده ''متماسكة ومسؤولة''، فيما حذر رئيس الوزراء وين جياباو من أن ارتفاع سعر اليوان بسرعة أكبر ''سيؤدي إلى إفلاس العديد من الشركات الصينية وسيتسبب بالبطالة .. وسيولد اضطرابات اجتماعية''.
ولم يرتفع سعر العملة الصينية خلال نحو ستة أشهر إلا بنسبة 2.5 في المائة في مواجهة الدولار. وما زال صندوق النقد الدولي يعتبره ''أدنى بكثير من القيمة الفعلية'' لليوان.
وفيما تراجع الدولار بالنسبة لكل العملات الأخرى، انخفض اليوان مقابل اليورو (بنحو 4 في المائة) والين الياباني بأكثر من 5 في المائة.
وإذا كانت ''حرب عملات'' تجري فعليا في العالم، فإن الأوروبيين واليابانيين يعتبرون أنهم ضحاياها.
وفي منطقة اليورو، تعاني الدول التي تواجه انكماشا اقتصاديا حادا وأزمة مالية مثل اليونان وإيرلندا من كونها تعتمد العملة ذاتها مثل ألمانيا التي يسجل اقتصادها نموا.
وشهد عام 2010 في هذا السياق جدلا حول تفكك الوحدة النقدية الأوروبية، وهو احتمال لم يكن ليخطر في بال أحد عام 2009. وحين تدخلت طوكيو في 15 أيلول (سبتمبر) لوقف ارتفاع الين، تعرضت لانتقادات شديدة لا تواجهها دول أخرى تمارس فيها السلطات قدر أكبر بكثير من التدخل.
وهذا التعايش بين عملات تتقلب بحرية بحسب السوق وعملات أخرى تضبطها المصارف المركزية وتحدد أسعارها قائم منذ نحو 40 عاما، غير أن هذا النظام الذي يعتمد الدولار عملة مرجعية وصل إلى حدود إمكاناته على ما يبدو. وأوضح الخبير الاقتصادي الفرنسي باتريك أرتوس في كتابه ''السيولة الخارجة عن السيطرة'' أن هذا النظام يدفع جميع الدول إلى إصدار كميات نقدية طائلة.
وكتب أن الولايات المتحدة تتمتع بامتياز يتيح لها أن تصدر ''دون أي عقدة'' عملة لا يتوقف الطلب عليها على ما يبدو. وفي مقابل ذلك، تجد المصارف المركزية نفسها مضطرة إلى التصدي لارتفاع أسعار عملاتها بشراء دولارات توظفها كاحتياطات ولا سيما كسندات دين للخزانة الأمريكية. ولتحقيق ذلك، يتم إصدار مبالغ إضافية من اليوان في الصين ومن الريال في البرازيل ومن الوون في كوريا الجنوبية، على سبيل المثال لا الحصر.
وهذا النظام يبدو غير قابل للاستمرار إلى حد أن الولايات المتحدة نفسها تعيد النظر فيه، وقال رئيس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي بن برنانكي في تشرين الثاني (نوفمبر) أن ''النظام النقدي الدولي كما هو مبني اليوم، يعاني خللا بنيويا''.
لعل أهم ما سوف يُشغل بال المجتمع الدولي ويُهدد انتعاش ونمو الاقتصاد العالمي خلال عام 2011 وما بعده، هو مستقبل إمدادات الطاقة الرخيصة التي لا تزال تعتمد اعتماداً كلياًّ على المصادر النفطية، وهي الآن تقترب من الوصول إلى ذروة الإنتاج إذا استمر اتجاه الانتعاش الاقتصادي العالمي على مساره الحالي. وقد تكون السنون المقبلة، بداية من عام 2011 كلها أعوام ترقُّب لما سيكون عليه وضع الطاقة خوفاً من حدوث شح مفاجئ لمصادر الطاقة التقليدية قبل أن تتمكن الدول الصناعية الكبرى، على وجه الخصوص، من تأمين ما يُغطيِّ حاجتها من البدائل المتجددة. وقد تنبأت وكالة الطاقة الدولية، وهي الجهة شبه الرسمية المسؤولة عن تقرير حالة إمدادات الطاقة، بأن تكون زيادة الطلب على النفط الخام والمشتقات النفطية خلال عام 2011 في حدود 2.3 مليون برميل في اليوم، وهي نسبة كبيرة إذا قورنت بمعدلات الزيادة خلال السنوات القريبة الماضية، ومعدل مجموع الطلب العالمي سيبلغ 88.5 مليون برميل في اليوم. ومن المتوقع أن يبلغ الطلب في نهاية هذا العام في حدود 87.3 مليون. وعلى الرغم من وجود فائض إنتاج غير مُسْتَغل الآن لدى بعض دول الأوبك، إلا أن هذا الفائض إذا استُخدِم عند ارتفاع الطلب كإضافة للإنتاج المعلن عنه اليوم فلن يدوم طويلاً قبل أن يختفي تأثيره في الأسواق العالمية، ربما خلال مدة لا تتجاوز السنة الواحدة. فلا هناك ما يُغيِّر الحقيقة الماثلة أمامنا، وهي أننا على أبواب بداية نقص لا مفر منه في إمدادات الطاقة على المستوى العالمي.
ومما يجعل الأمر أكثر خطورة هو الاعتماد الكلي منذ ما يزيد على القرن على النفط كمصدر للطاقة لتسيير جميع شؤون حياتنا الصناعية والزراعية والمعيشية. وقد استغلت الدول الصناعية المتقدمة تدني أسعار النفط منذ أن ظهر إلى الوجود أسوأ استغلال لمصالحهم الخاصة. وبفضل تقدمهم العلمي وإمكانياتهم الهائلة وهيمنتهم السياسية خلال وقت الاكتشافات الكبيرة لمنابع النفط في الشرق الأوسط، استطاعوا التحكم بالأسعار وإخضاعها تحت سيطرتهم، عندما كانت الشركات الغربية الكبرى تتولى عمليات الإنتاج والتسويق. ولم يكن مُستغرباً لدى الجميع أن يُباع برميل النفط في كثير من الفترات بحفنة من الدولارات. وحتى في يومنا هذا، وبرميل النفط يُباع بما يُقارب 80 دولاراً، وهو ما يُشار إليه بأنه سعر ''عادل''، لا يُمثل القيمة الحقيقية للنفط إذا قورن مع أسعار مواد كثيرة ليس لها الأهمية نفسها. وقد أصبح الانخفاض الفاحش لسعر مصادر الطاقة خلال العقود الماضية السمة المميزة لعصر النفط، حيث إن ذلك قد أسهم إلى حد كبير في تسارع النمو الهائل للاقتصاد العالمي، دون أن يكون هناك أي اهتمام يُذكر من قِبل المستهلكين لإيجاد بديل مناسب يقوم بالتدريج مقام النفط الذي يعلم الجميع أنه لن يدوم وجوده إلى ما لا نهاية. وأشد ما نخشاه، هو أن يُصاب الاقتصاد العالمي بصدمة عنيفة وشلل مزمن عندما يشعر العالم بأن الإنتاج النفطي قد وصل إلى قمة عطائه وهم لا يزالون يطلبون المزيد. فأغلب الدول الصناعية ذات الاستهلاك الكبير للطاقة، وعلى الأخص الدول الغربية، لاهية بشؤون ديونها الضخمة ومشاكلها الاقتصادية الآنية، تاركة الأمور المستقبلية المهمة لوقتها، وهو ما سيُضاعف من أزماتهم المالية التي يُعانونها اليوم. ومما لا شك فيه أن هناك الآن بوادر تحركات دولية وإقليمية ومحلية جادة للبحث عن أنسب البدائل المتوافرة لمصادر جديدة لتوليد الطاقة. وبدأ في الآونة الأخيرة الحديث عن إمكانية قبول عدة مصادر، منها التوسع في بناء مرافق إضافية للطاقة الذرية واستخدام الوقود الحيوي وما تبقى من احتياطي الفحم الحجري والنفط الرملي والطاقة المتولدة من الرياح. ولكن لكل من تلك المصادر محدوديته التي لا تجعل منه مصدراً كافياً يُعتمد عليه كبديل للنفط. ولعل الكل يُدرك اليوم أن مصادر توليد الطاقة الشمسية النظيفة هي الأفضل بين الاختيارات الأخرى، نظراً لتوفرها ودوامها وصدورها من معين لا ينضب وبساطة بناء منشآتها وسهولة تشغيلها. وعلى الرغم من بطء التحرك العالمي نحو استغلال هذه الثروة الهائلة، فإنه من المتوقع أن يشهد العالم خلال وقت قصير ثورة غير مسبوقة تجعل من صناعة الطاقة الشمسية مصدراً مهماً لتسيير عجلة التقدم الاقتصادي، قد لا تقل عن النشاط والتقدم التكنولوجي الذي صاحب نمو الصناعة المعلوماتية خلال العقود القليلة الماضية، كما تنبأ بذلك أحد المتخصصين في بلادنا، ونحن نتفق مع رؤيته. ولكن الذي لا إشكال فيه هو أن البدء في تحول مصادر الطاقة من المشتقات النفطية التي اعتاد العالم عليها وأسس لها البنية التحتية الواسعة التي تُناسب استخدامها، إلى نوع آخر من المصادر التي تختلف طبيعتها عن النفط، كالطاقة الشمسية، سيُسبب إرباكا للحياة بوجه عام ولصناعة وسائل النقل بوجه خاص. أما تأثير تقلص الإمدادات النفطية المتوقع حدوثه في غضون سنوات على معايير النمو الاقتصاد العالمي وعلى دخل الحكومات التي اعتادت تحصيل ضرائب كبيرة على النفط المُستَورد فسوف يكون ضربة قوية لدخلها القومي وهزت عنيفة لاقتصادها.

الأكثر قراءة