تجارة التجزئة.. الوضع خطير!

المقالات التي نشرتها ''الاقتصادية'' عن تجارة التجزئة في بلانا، وكيف سيطرت العمالة الوافدة على هذا النشاط برمته، وكيف فشلت الجهات المعنية في سعودة هذا القطاع بدءًا من محال الذهب والمجوهرات، فسوق الخضراوات، وآخر معقل سقط في قبضة الوافدين كبائن الاتصالات. وأريد أن أستكمل قراءة هذا الموضوع من طرف آخر. فنريد أن نعرف ما المقصود بتجارة التجزئة؟ وكيف صنفت أدبيات التسويق هذه التجارة؟ وكيف تختلف تجارة التجزئة عن بقية قنوات التوزيع؟ وقد استعرت العنوان الذي تسنم مقال الفايز وكيَّفته بما يتناسب ومحتوى مقالي هذا.
تعرف تجارة التجزئة retailer بأنها كل الأنشطة المتعلقة ببيع منتجات أو خدمات إلى المستهلكين النهائيين مباشرة لاستخدام الخاص دون إعادة البيع، وتنقسم تجارة التجزئة من واقع أدبيات التسويق إلى أقسام عدة من أهمها:
1. المحال المتخصصة؛ وهي التي تختص في بيع منتج ضيق مع تشكلية عميقة من المنتجات، فهناك محال متخصصة في بيع السلع الرياضية، وأخرى لبيع الأثاث، وثالثة لبيع الكتب وهكذا.
2. السوبر ماركت؛ وهو الذي يقدم خدمه ذاتية كبيرة نسبيا منخفضة التكلفة وبهامش ربح قليل وحجم مبيعات ضخم، وقد صُممت لخدمة إجمالي احتياجات المستهلك من الأطعمة والملابس والأواني المنزلية وكل ما يحتاج إليه المستهلك الفرد.
3. محال الراحة؛ وهي عبارة عن محال صغيرة نسبيا تقع بالقرب من المناطق السكنية، وتفتح لساعات طويلة خلال أيام الأسبوع، وتحمل خطا محددا من المنتجات سريعة الدوران بأسعار مرتفعة قليلا مقارنة بأسعار مثيلاتها في السوبر ماركت.
4. محال الخصومات الدائمة (التخفيضات)؛ وهي تبيع سلعا نمطية بأسعار منخفضة وهوامش أرباح قليلة وأحجام مبيعات عالية، ومن أمثلتها مارد التخفيضات الأمريكي الشهير وال مارت Wall Mart. وتختلف محال الخصومات عن السوبر ماركت في أن الأولى تقدم أقل الأسعار وقد لا تحوي جميع المستلزمات، بينما تتشابه الاثنتان في انخفاض هامش الربح وزيادة حجم المبيعات.
5. تجارة تجزئة السعر الأقل؛ وهي عبارة عن سلع فائضة وغير منتظمة يتم الحصول عليها بأسعار منخفضة من المنتجين أو من تجار تجزئة آخرين، وقد تكون جودة سلعها أقل من محال الخصومات الدائمة، وقد تعتري بعض منتجاتها بعض العيوب المصنعية، ومن أمثالها T J Maxx الأمريكي.
6. المحال الضخمة؛ وهي محال ضخمة جدا تستهدف تلبية احتياجات المستهلكين من جميع السلع الروتينية، وهذا النوع يحمل خصائص السوبر ماركت، والخصومات، والتخزين في آن واحد، ومن أمثلتها كيرفور Carrefour وبيكر Pycral الإسباني.
وهناك نوع آخر ظهر في السنوات الأخيرة تتحاشى أدبيات التسويق تأصيله، يطلق عليه تجارة ''سعر أقل الأقل''، يقدم خصومات هائلة، ولكنه يختلف عن محال الخصومات الدائمة في أنه يقدم خصومات أقل منها بكثير، وسر نجاحه يكمن في مقدرته على خفض التكاليف الثابتة والمتغيرة، وعصر الموردين بطريقة قاسية، وترشيد بعض أدوات المزيج التسويق الجوهرية كالإعلان، وقد ناقشت هذا النوع من تجارة التجزئة بشيء من التفصيل في مقال سابق.
والمغزى من عرض هذا التصنيف هو توضيح ضخامة حجم قطاع تجارة التجزئة، وألا نظن أنه مقتصر فقط على البقالات، والورش، والمشروعات الفردية البسيطة، بل يتعدى ذلك، فـ''السوبر ماركت'' الضخم، ومحال أبو ريالين، والبقالة الصغيرة في طرف حي شعبي، والبسطات أمام المساجد يطلق عليها جميعا تجارة تجزئة، فكل ما يخدم المستهلك الفرد ويوفر السلع له للاستخدام الشخصي يعد تجارة تجزئة. إلا أنه ومع الأسف لا يوجد تصنيف واضح لتجارة التجزئة في السعودية أو قد يكون موجودا، ولكنه لم يفعل. لذا أرى قبل البدء باتخاذ قرار سعودة تجارة التجزئة أن نقوم بتصنيفها وفقا لوضع قنوات التوزيع في الدول النامية، وليس بالضرورة أن نتبع التصنيف السابق.
وأريد أن أعود إلى ما سبق طرحه حول هذا الموضوع، فأقول إنه على الرغم من إعجابي بالموضوع وطريقة عرضه والأفكار النيرة التي أثارها، إلا أن لدي ملاحظات عدة بالذات على ما طرحه عبد الوهاب الفايز في مقاله الأحد الماضي، منها أنه قصر تجارة التجزئة في البقالات والورش والمشروعات الفردية البسيطة، وإغفال ما سواها كالسوبر ماركت ومحال الخصومات الدائمة والمحال المتخصصة، فكل هذه القنوات تعد تجارة تجزئة، وجميعها يسيطر عليها الوافدون. ولا أوافقه في قضية الزج بالعاطلين في هذا البحر الهائج، فليس جميع العاطلين قادرين أو راغبين في العمل كتجار تجزئة، فخريج كلية الهندسة على سبيل المثال لا يمتلك القاعدة المعرفية، ولا المهارة التسويقية، ولا الخلفية العلمية لإدارة مشروع تجزئة، فكيف نقحمه في سوق هائجة لا يعرف دهاليزها؟ ولكن يمكن أن يعمل في هذا القطاع على وظيفة تناسب خبرته وتحصيله، وفي الوقت نفسه يُمكن من يمتلك القدرة والرغبة في إدارة هذا النوع من التجارة، سواء أكان عاطلا أم موظفا في قطاعات الدولة المختلفة يُمكن من مزاولة تجارة التجزئة، فهذا أجدى بكثير من حكر التراخيص على المتقاعدين والعاطلين، مما اضطر بعض الموظفين إلى أن يحتال فيخرج الترخيص باسم والدته أو زوجته. كما لا أتفق معه فيما ذهب إليه من حيث إن تجارة التجزئة هي العصا السحرية التي ستحل معضلة البطالة، فمشكلة البطالة أكبر من ذلك وأعمق، وتفاقمها تشترك فيه جهات وقطاعات وليس فقط تجارة التجزئة.
يجب أن ننظر إلى تجارة التجزئة من جوانب عدة، فالهدف الأساسي من سعودتها ليس فقط حل معضلة البطالة، بل لتفادي نواحٍ أمنية، وغذائية، واقتصادية قد تظهر في المستقبل، فبقاء هذا القطاع تحت سيطرة الوافدين ـــ بمساعدة من بعض المواطنين ومباركة من الجهات المعنية ـــ يجعل أمن البلد الغذائي والاقتصادي عرضة لكثير من التهديدات. وقد يؤدي هذا إلى زعزعة الجبهة الداخلية وقت الأزمات. وأول خطوة يجب اتخاذها هي الجدية في محاربة التستر التجاري، فيجب أن نعي جميعا أن هذا العمل يتنافى والانتماء والولاء للوطن، فمن يُثبت تستره أو قام بتأجير مشروعه لوافد فيعامل كما يعامل المتجاوز على أمن الوطن، فالقضية يجب أن ينظر إليها من جانب أمني وليس تجاري، علما بأن الوافدين لم يسيطروا فقط على تجارة التجزئة، بل على جزء كبير من تجارة الجملة، وسنعود لمناقشة تجارة الجملة بكامل تصنيفاتها في مقال قادم ــــ بإذن الله.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي