بعد إعلان الميزانية: هل سيتحرك قطاع التأمين الهندسي؟
ظهرت ميزانية المملكة لهذه السنة برقم غير مسبوق، فقد بلغت الإيرادات 735 مليار ريال والمصروفات 626 ملياراً. واللافت للنظر أن مبلغ الإيرادات المقدر كان أقل بكثير من المتحقق فعلاً، وهذا سمح بتسجيل فائض يتجاوز المائة وثمانية مليارات ريال. وفيما يخص ميزانية السنة القادمة، فقد قدرت وزارة المالية الإيرادات بـ 540 مليار ريال والنفقات العامة بـ 580 مليار ريال. وهذا يبرهن أيضاً على استمرار الدولة في اتباعها لسياسة الإنفاق السخي تحقيقاً للأهداف التنموية التي وضعتها.
وإزاء هذه السياسة السخية للإنفاق، والتي تعتمد على تحفيز كافة القطاعات لأخذ دورها من أجل تحقيق الأهداف التنموية ولاسيما تلك الواردة في خطة التنمية التاسعة، فإنه لا يوجد عذر لأي قطاع في الدولة يبرر به عدم مساهمته في التنمية بسبب ضعف المخصصات المالية له، فالسخاء عمّ هذه القطاعات دون استثناء، وأصبحت آمال وطموحات كل قطاع من القطاعات متحققة بوجود دعم مالي سخي. الذي بقي هو أن تعمل هذه القطاعات على استثمار هذه السيولة المتحققة في الوصول لما هو مرسوم لها.
وهذه الأهداف التنموية لن تتحقق من غير تعاون القطاعات الحكومية مع القطاع الخاص وذلك من خلال العقود التي تبرمها مع منشآت القطاع الخاص. فوفقاً لبيان وزارة المالية الأخير، فقد بلغ عدد العقود التي طُرحت خلال العام المالي الحالي وتمت مراجعتها من قبل وزارة المالية 2460 عقداً تبلغ قيمتها الإجمالية ما يقارب 182.5 مليار ريال مقارنة بـ 145.4 مليار ريال في العام المالي الماضي. والحديث عن استفادة القطاع الخاص من هذه المخصصات أمر مفروغ منه، أما فيما يخص الفائدة التي سيجنيها قطاع التأمين من هذه الحصة فهو ما ينبغي الحديث عنه. فالتأمين يبدو للوهلة الأولى كأحد أبعد الشرائح التي تنتمي إلى القطاع الخاص استفادة من الميزانية، إلا أن الأمر عكس ذلك، فشركات التأمين ستحصل على جزء من السيولة النقدية والمتمثلة بأقساط التأمين على اختلاف أنواعها خصوصاً فيما يتعلق بالتأمين على النشاطات الصناعية أو الخدمية التي يقدمها القطاع الخاص للحكومة، أو حتى التأمين على الممتلكات الحكومية، بل وحتى التأمين الصحي ولاسيما بعد توجه قطاعات حكومية للتأمين الصحي على موظفيها أو على الشرائح التي ترعاها بعض الجهات الحكومية كالضمان الاجتماعي. إلا أنني أرى أن شركات التأمين ينبغي أن توجه بوصلتها نحو أنواع أخرى من التأمين غير تلك التي أشرت إليها إن أرادت أن تحقق أكبر عائد من هذه الميزانية، فهناك قطاع التأمين الهندسي وخاصة التأمين المرتبط بالإنشاءات الهندسية، وتأمين أخطار المقاولين.
فالميزانية خصصت جزءاً كبيراً منها لجهات حكومية يستلزم عملها إبرام عقود مقاولات كبرى مع شركات ومؤسسات المقاولات في القطاع الخاص، وهذه العقود ـــ كما نعلم ـــ تشترط وجود تأمين ضد أخطار المقاولين.
ولذلك فإن شركات التأمين مدعوة بشكل كبير لتطوير خدماتها في مجال التأمين الهندسي، وأن لا يكون ما تقدمه هذه الشركات مرتبطا فقط باستيفاء الشروط التي تتطلبها عقود المقاولات الحكومية، بل ينبغي أن تكون هذه الخدمات مرتبطة بحاجة المقاول وتعويضه عن الخسائر التي قد تترتب على ممارسة نشاطه، ومن ثم التأمين على هذه المنشآت الحكومية تأمين ممتلكات وليس فقط تعويض الجهات الحكومية عن أية أخطاء يرتكبها المقاول في حقها، وتأمين الممتلكات يقتضي وجود علاقة عقدية بين شركة التأمين والجهة الحكومية بشكل مباشر دون المرور بالمقاول.
وكثير من المقاولين في المملكة لا يدركون بشكل كامل أهمية التأمين الهندسي، وهنا يأتي دور شركات التأمين في التعريف بهذا المجال وأهميته بالنسبة للمقاول، وأن لا يُنظر إليه باعتباره مجرد مستند تُستكمل به إجراءات الحصول على المناقصة أو صرف المخصصات المعتمدة للمشروع.