ميزانية الخير والغد المشرق

إيرادات عامة تقارب الـ 540 مليار ريال، ونفقات عامة تقارب الـ 580 مليار ريال، وعجز متوقع يقارب الـ 40 مليارا. أرقام تاريخية تشكل أضلاع مثلث الميزانية العامة للدولة للعام المالي الجديد 1432/1433هـ التي أقرها أمس مجلس الوزراء الموقر. ميزانية خير لغد مشرق مدعومة بفائض محقق من الميزانية العامة للدولة للعام المالي الحالي (1431/1431هـ) يقارب الـ 105.5 مليار ريال. كيف ستتفاعل هذه الأرقام القياسية في تاريخ الاقتصاد السعودي مع التحديات المحيطة به والآفاق المأمول تحقيقها؟
"الإرهاب"، "العراق"، "إيران"، "اليمن"، "مجلس التعاون الخليجي"، "أمريكا"، "عائدات النفط السعودي"، "مصادر الطاقة"، "ديمغرافية الشعب السعودي"، و"موارد الاقتصاد السعودي". عشرة تحديات قائمة تحيط بنمو منظومة الاقتصاد السعودي واستدامتها خلال العقد المقبل. من الأهمية بمكان وضع الآليات الكفيلة بمواجهة هذه التحديات وتحويرها إلى آفاق تدفع بعجلة تنمية الاقتصاد السعودي نحو مزيد من سرعة النمو ومتانة استدامته، بعون الله تعالى.
آلية خير زفها لنا مجلس الوزراء السعودي الموقر أمس عندما أقر الميزانية العامة للدولة للعام المالي الجديد 1432/1433هـ، وما حمله هذا الإقرار من مخصصات مالية لتنفيذ مشاريع حيوية لدعم جوانب الاقتصاد السعودي الأربعة: الاقتصاد التنموي، الاقتصاد الاجتماعي، الاقتصاد السياسي، والاقتصاد الاقتصادي.
فبالنظر إلى معدل مخصصات بنود الإنفاق العامة طيلة الأعوام الستة الماضية، هي فترة الخطة التنموية الثامنة والعام الأول من الخطة التنموية التاسعة، نجد أن هناك خمسة بنود إنفاق من أصل سبعة حظيت بنمو في نسبة معدلاتها إلى إجمالي النفقات العامة. هذه البنود هي الآتي: مرتبة حسب معدل الزيادة من الأعلى إلى الأقل هي، "صناديق التنمية المتخصصة وبرامج التمويل الحكومية"، فـ "الخدمات الصحية والتنمية الاجتماعية"، فـ "المياه والزراعة والتجهيزات الأساسية"، فـ "النقل والاتصالات"، وأخيرا "الخدمات البلدية". ونجد في الوقت ذاته حصول بنود "التعليم" و"قطاعات أخرى" على نسب مخصصات من إجمالي النفقات العامة أقل من معدل مخصصات بنود الإنفاق العامة طيلة الأعوام الستة الماضية.
تقدنا هذه النسب ومعدلاتها إلى الوصول إلى أن الاقتصاد التنموي قد استحوذ بجميع قطاعاته الرئيسة ذات الصلة بالخدمات والتنمية على معظم الاعتمادات، فحظي قطاع التـعـليم والتدريب على اعتمادات كبيرة موزعة بنسب متباينة على قطاعات التعليم العام، التعليم العالي، والتدريب المهني.
ينتظر من قطاع التعليم بلورة هذه الاعتمادات إلى تنمية واستدامة رأس المال الفكري السعودي بحلول العقد المقبل، لدعم منظومتي الصناعة والاستثمار عند اكتمال خططمها التوسعية، حيث يتوقع أن يشكل توفير رأس المال الفكري السعودي المؤهل لتولي مسؤوليات العقد المقبل أحد أهم التحديات التي ستواجه منظومة الاقتصاد السعودي.
كما حصلت قطاعات الخدمات الصحية والتنمية الاجتماعية على المرتبة الثانية في الإنفاق بعد قطاع التعليم والتدريب، فحظيت قطاعات الخدمات الصحية والتنمية الاجتماعية باعتمادات كبيرة. وعلى الرغم من أن الميزانية العامة للدولة للعام المالي الجديد أشارت إلى جزء من نصيب قطاع الخدمات الصحية من هذه الاعتمادات، إلا أنه ينتظر أن تسهم هذه الاعتمادات في الارتقاء بمستوى الخدمات الصحية والرعاية الاجتماعية، نظرا للارتباط الوثيق فيما بينهما.
كما حصلت قطاعات المياه والزراعة والتجهيزات الأساسية على المرتبة الثالثة في الإنفاق بعد قطاعات التعليم والتدريب، والخدمات الصحية والتنمية الاجتماعية. وأتت قطاعات الخدمات البلدية والنقل والاتصالات على المرتبة الرابعة في الإنفاق بعد قطاعات التعليم والتدريب، والخدمات الصحية والتنمية الاجتماعية، والمياه والزراعة والتجهيزات الأساسية.
يتضح من مقارنة النتائج المالية للعام المالي 1431/1432هـ ببنود الميزانية العامة للدولة للعام المالي الجديد 1432/1433هـ في جوانب الخدمات الصحية، التنمية الاجتماعية، الخدمات البلدية، النقل، الاتصالات، المياه، الزراعة، والتجهيزات الأساسية، أن مناطق المملكة الجغرافية المتوسطة الحجم وذات التنمية المتواضعة ستستوعب معظم هذه الاعتمادات.
والخلاصة الشمولية التي نستخلصها من التوزيع البيني لهذه الاعتمادات في تلك القطاعات التنموية بالذات أن توزيع الكثافة السكانية بين مناطق المملكة ستحظى بتطورات من شأنها إعادة التوازن بين المناطق الجغرافية، وستسهم هذه العملية بطبيعة الحال في إحداث نهضة شاملة بحلول العقد المقبل، بعون الله وتوفيقه.
هذه التطورات الشاملة التي حملتها الميزانية العامة للدولة للعام المالي الجديد في جانب الاقتصاد التنموي لن تكون بمعزل عن التطورات في جوانب منظومة الاقتصاد السعودي المتبقية، الاقتصاد الاجتماعي، والاقتصاد السياسي، والاقتصاد الاقتصادي. حيث يتوقع من قراءة بنود الميزانية العامة للدولة للعام المالي الجديد أن يستوعب جانب الاقتصاد الاقتصادي جزءا ليس بالقليل من اعتمادات الميزانية، حيث سيتم ذلك عن طريق التحويل إلى احتياطي الدولة، وحساب تسديد الدَّين العام.
ويتوقع أن يسهم التحويل إلى احتياطي الدولة في تعزيز جانب الاقتصاد السياسي لمنظومة الاقتصاد السعودي عن طريق تعزيز مكانة المملكة السياسية في المنطقة والعالم. وهنا لا بد الأخذ في الاعتبار التطورات السياسة والعسكرية في المنطقة، وانعكاسات ذلك على الاحتياطي الحكومي.
كما يتوقع أيضا أن يسهم التحويل إلى حساب تسديد الدَّين العام في تعزيز جانب الاقتصاد الاقتصادي لمنظومة الاقتصاد السعودي عن طريق تقليل الالتزامات المستقبلية للمنظومة، التي قد تشكل تحديا يعوق نمو منظومة الاقتصاد السعودي بداية العقد المقبل.
أحد أهم الانعكاسات الإيجابية للتحويل إلى حساب تسديد الدَّين العام هو زيادة مستوى السيولة في المصارف السعودية بعد إتمام عملية شراء سندات الدين العام قبل موعدها. وزيادة السيولة ستدعم تنافسية المصارف السعودية في تطوير قنوات استثمارية جديدة غير السوق المالية من خلال مشاركة القطاع الخاص في مشاريعه التوسعية. وهنا نافذة ضوء ستحملها مشاريع القطاع الخاص المقبلة في استثمار الموارد البشرية السعودية، في إطار سياسات وأهداف خطة التنمية التاسعة، ووفق أولويات المجلس الاقتصادي الأعلى.
أحد أهم المخرجات غير المباشرة في تطورات جانب الاقتصاد الاقتصادي من منظومة الاقتصاد السعودي أنها ستتدفق، بعون الله، في الجوانب الثلاثة المتبقية من جوانب منظومة الاقتصاد السعودي: الاقتصاد التنموي، الاقتصاد الاجتماعي، والاقتصاد السياسي، وذلك لتشكل أرضية انطلاق متينة لمنظومة الاقتصاد السعودي في موجته الخمسينية الثانية (2000/2050)، بعون الله.
إقرار مجلس الوزراء الموقر للميزانية العامة للدولة للعام المالي الجديد أمس هو تجسيد جديد لسياسة خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز آل سعود - حفظه الله - في دعم عملية تنمية واستدامة منظومة الاقتصاد السعودي. عملية تنموية طموحة تعمل ضمن عشرة تحديات رئيسة قائمة تستلزم الموازنة بين هذه التحديات، ومستهدفات رؤية الاقتصاد السعودي 2025، وواقع العام الثاني من الخطة التنموية التاسعة (2010 - 2014).
أسال الله رب العرش العظيم أن يقرّ أعيننا بعودة خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز آل سعود - حفظه الله - في القريب العاجل سالما معافى، وأن يديم علينا نعماءه، وأن ينفع الوطن والمواطن بهذه الميزانية التاريخية المباركة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي